كتاب نظم الدرر فى تناسب الآيات والسور - العلمية (اسم الجزء: 6)
صفحة رقم 12
قال ابن ميلق : من حكمته سبحانه أن يجمع بين أثرى عدله وفضله ، وأن يعاقب بينهما في الظهور فيذل ويعز ويفقر ويغني ويسقم ويشفي ويفني ويبقي إلى غير ذلك ، فما من سابق عدل إلا له لحق فضل ، ولا سابق فضل إلا له لاحق عدل ، غير أن أثر العدل والفضل فد يتعلق بالبواطن خاصة ، وقدج يتعلق أحدهما بالظاهر والآخر بالباطن ، وقد يكون اختلاف تعلقمها في حالة واحدة ، وقد يكون على البدل ، وعلى قدر تعلق الأثر السابق يكون تعلق الأثر اللاحق .
ولما كانت الحكمة قاضية بذلك ، أجرى الله سبحانه آثارعدله على ظواهر أصفيائه دون بواطنهم ، ثم عقبت ذلك بإيراد آثار فضله على بواطنهم وظواهرهم حتى صار من قاعدة الحكمة الإلهية تفويض ممالك الأرض للمستضعفين فيها كالنجاشي حيث بيع في صغره ، وذلك كثير موجود بالاستقرار ، فمن كمال تربية الحكيم لمن يريد إعلاء شأنه أن يجري على ظاهره من أثر العدل ما فيه تكميل لهم وتنوير لمداركهم وتطهير لوجودهم وتهذيب وتاديب - إلى غير ذلك - من فؤائد التربية ، ومن تتبع أحوال الأكابر من آدم عليه السلام وهلم جراً رأى من حسن بلاء الله سبحانه وتعالى لهم ما يشهد لما قررته بالصحة إن شاء الله تعالى - انتهى .
ولما كانت الحكمة هي الإقبال على الله قال : ( أن اشكر ( وهو وإن كان تقديره : قلنا له كذا ، يؤول إلى ( آتيناه الشكر ) وصرف الكلام إلى الأسم الأعظم الذي لم يتسم به غيره سبحانه دفعاً للتعنت ، ونقلاً عن مظهر العظمة إلى أعظم منها فقال : ( لله ( بأن وفقناه له بنا سببناه له من الأمر به لأن الحكمة في الحقيقة هي القيام بالشكر لا الإيصاء به ، ويمكن أن تكون ( أن ) مصدرية ، ويكون التقدير : آتيناه إياها بسبب الشكر ، وعبر بفعل الأمر إعلاماً بأن شكره كان لامتثال الأمر ليكون أعلى .
ولما كان التقدير : فبادر وشكر ، فما نفع إلا نفسه ، كما أنه لو كفر ما ضر إلا نفسه ، عطف عليه معرفاً أنه غني عن شكر الشاكرين قوله معبراً بالمضارع الدال على أن من اقبل عليه - في أي زمان كان - يلقاه ويكون معروفه له دائماً بدوام العمل : ( ومن يشكر ) أي يجدد الشكر ويتعاهد به نفسه كائناً من كان ) فإنما يشكر ) أي يفعل ذلك ) لنفسه ) أي فإنما ينفع نفسه ، فإن الله يزيده من فضله فإن الله شكور مجيد ) ومن كفر ( فإنما يضر نفسه ، وعبر بالماضي إشارة إلى أن من وقع منه كفر ولو مرة جوزي بالإعراض عنه ) فإن الله ( عبر الأسم الأعظم لأنه في سياق الحكمة ، والحكيم من أدام استحضار صفات الجلال والجمال فغلب خوفه رجاءه ما دام في دار الأكدار ) غني ( عن الشكر وغيره ) حميد ) أي له جميع المحامد وإن كفره جميع الخلائق ، فإن