كتاب نظم الدرر فى تناسب الآيات والسور - العلمية (اسم الجزء: 6)

صفحة رقم 15
ما أوصاه به في حقنا - هكذا كان الأصل ، ولكنه عبر بما يشمل غيره فقال : ( الإنسان ) أي هذا النوع على لسان أول نبي أرسلنا وهلم جراً وبما ركزناه في كل فطرة من أنه ما جزاء الإحسان إلا الإحسان ) بوالديه ( فكأنه قال : إن لقمان عرف نعمتنا عليه وعلى أبناء نوعه لوصيتنا لأولادهم بهم فشكرنا ولفن عنا نهيهم بذلك عن الشرك لأنه كفران لنعمة المنعم ، فانتهى في نفسه ونهى ولده ، فكانت بذلك حكيماً .
ولما كانت الأم في مقام الاحتقار لما لأب من العظمة بالقوة والعقل والكد عليها وعلى ولدها ، نوه بها ونبه على ما يختص به من أسباب وجود الولد وبقائه عن الأب مما حصل لها من المشقة بسببه وما لها إليه من التربية .
فقال معللاً أو مستأنفاً : ( حملته أمه وهناً ) أي حال كونها ذات وهن تحمله في أحشائها ، وبالغ بجعلها نفس الفعل دلالة على شدة ذلك الضعف بتضاعفه كلما أثقلت ) على وهن ) أي هو قائم بها من نفس خلقها وتركيبها إلى ما يزيدها التمادي بالحمل ، ثم أشار إلى ما لها عليه من المنة بالشفقة وحسن الكفالة وهو لا يملك لنفسه شيئاً بقوله : ( وفصاله ) أي فطامه من الرضاعة بعد وضعه .
ولما كان الوالدان يعدان وجدان الولد من أعظم أسباب الخير والسرور ، عبر في أمره بالعام الذي تدور مادته على السعة لذلك وترجية لهما بالعول عليه وتعظيماً لحقهما بالتعبير بما يشير إلى صعوبة ما قاسيا فيه باتساع زمنه فقال : ( في عامين ( تقاسي فيهما في منامه وقيامه ما لا يعلمه حق علمه إلا الله تعالى ، وفي التعبير بالعام أيضاً إشارة إلى تعظيم منتهاه بكونها تعد أيام رضاعه - مع كونها أضعف ما يكون في تربيته - أيام سعة وسرور ، والتعبير ب ( في ) مشيراً إلى أن الوالدين لهما أن يفطماه قبل تمامهما على حسب ما يحتمله حاله ، وتدعو إليه المصلحة من أمره .
ولما ذكر الوصية وأشار إلى أمهات أسبابها ، ذكر الموصى به فقال مفسراً ل ( وصينا ) : ( أن اشكر ( ولما كان الشكر منظوراً إليه أتم نظر ، قصر فعله ، أي أوجد هذه الحقيقة ولتكن من همك .
ولما كان لا بد له من متعلق ، كان كأنه قال : لمن ؟ فقال مقدماً ما هو أساس الموصى به في الوالدين ليكون معتداً به ، لافتاً القول إلى ضمير الواحد من غير تعظيم تنصيصاً على المراد : ( لي ) أي لأني المنعم بالحقيقة ) ولوالديك ( لكوني جعلتهما سبباً لوجودك والإحسان بتربيتك ، وذكر الإنسان بهذا الذكر في سورة الحكمة إشارة إلى أنه أتم الموجودات حكمة قال الرازي في آخر سورة الأحزاب من لوامعه : الموجودات كلها كالشجرة ، والإنسان ثمرتها ، وهي القشور والإنسان لبابها ، وكالمبادئ والإنسان كمالها ، ومن أين للعالم ما للإنسان ؟ بل العالم

الصفحة 15