كتاب نظم الدرر فى تناسب الآيات والسور - العلمية (اسم الجزء: 6)
صفحة رقم 17
إلى أنه ليس مطلقاً فقال : ( وصاحبهما في الدنيا ) أي في أمورها التي لا تتعلق بالدين ما دامت حياتهما .
ولما كان المبنى على النقصان عاجزاً عن الوفاء بجميع الحقوق ، خفف عليه بالتنكير في قوله : ( معروفاً ) أي ببرهما إن كانا على دين يقران عليه ومعاملتهما بالحلم والاحتمال وما يقتضيه مكارم الأخلاق ومعالي الشيم ، قال ابن ميلق : ويلوح من هذه المشكاة تعظيم الأشياخ الذين كانوا في العادة سبباً لإيجاد القلوب في دوائر التوحيد العلمية والعملية - يعني ففي سوق هذه الوصية هذا المساق أعظم تنبيه على أن تعظيم الوسائط من الخلق ليس مانعاً من الإخلاص في التوحيد ، قال ابن ميلق : ومن هنا زلت أقدام أقوام تعمقوا في دعوى التوحيد المعظم في الشرع تعظيم لحرمات الله ، وامتثال لأمر الله ، ولعمري إن هذه المزلة ليتعثر بها أتباع إبليس حيث أبى أن يسجد لغير الله ، ثم قال ما معناه : وهؤلاء قوم أعرضوا عن تعظيم الوسائط زاعمين الغيرة على مقام التوحيد ، وقابلهم قوم أسقطوا الوسائط جملة وقالوا : إنه ليس في الكون إلا هو ، وهم أهل الوحدة المطلقة ، والكل على ضلال ، والحق الاقتصاد والعدل في إثبات الخالق وتوحيده ، وتعظيم من أمر بتعظيمه من عبيده .
ولما كان ذلك قد يجر إلى نوع وهن في الدين ببعض محاباة ، نفى ذلك بقوله : ( واتبع ) أي بالغ في أن تتبع ) سبيل ) أي دين وطريق ) من أناب ) أي أقبل خاضعاً ) إليَّ ( لم يلتفت إلى عبادة غيري ، وهم المخصلون من أبويك وغيرهما ، فإن ذلك لا يخرجك عن برهما ولا عن توحيد الله والإخلاص له ، وفي هذا حث على معرفة الرجال بالحق ، وأمر بحك المشايخ وغيرهم على محك الكتاب والسنة ، فمن كان عمله موافقاً لها ابتع ، ومن كان عمله مخالفاً لهما اجتنب .
ولما كان التقدير : فإن نرجع أموركم كلها في الدنيا إليَّ ، عطف عليه قوله : ( ثم إليّ ) أي في الآخرة ، لا إلى غيري مرجعك - هكذا كان الأصل ، ولكنه جميع لإرادة التعميم فقال معبراً بالمصدر الميمي الدال على الحدث وزمانه ومكانه : ( مرجعكم ( حساً ومعنى ، فأكشف الحجاب ) فأنبئكم ) أي أفعل فعل من يبالغ في التنقيب والإخبار عقب ذلك وبسببه ، لأن ذلك أنسب شيء للحكمة وإن كان تعقيب كل شيء بحسب ما يليق به ) بما كنتم ( بما هو لكم كالجبلة ) تعملون ) أي تجدون عمله من صغير وكبير ، وجليل وحقير ، وما كان في جبلاتكم مما لم يبرز إلى الخارج ، فأجازي من أريد وأغفر لمن أريد ، فأعد لذلك عدته ، ولا تعمل عمل من ليس له مرجع يحاسب