كتاب نظم الدرر فى تناسب الآيات والسور - العلمية (اسم الجزء: 6)

صفحة رقم 18
فيه ويجازي على مثاقيل الذر من أعماله ، ولعله عبر عن الحساب بالتنبئة لأن العلم بالعمل سبب للمجازاة عليه أو لأنه جمع القسمين ، ومحاسبة السعيد العرض فقط بدلالة التضمن ومحاسبة الشقي بالمطابقية .
لقمان : ( 16 - 18 ) يا بني إنها. .. . .
) يبُنَيَّ إِنَّهَآ إِن تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ يبُنَيَّ أَقِمِ الصَّلاَةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَآ أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ وَلاَ تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلاَ تَمْشِ فِي الأَرْضِ مَرَحاً إِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ ( ( )
ولما فرغ من تأكيد ما قاله لقمان عليه السلام في الشكر والشرك فعلم ما أوتي من الحكمة ، وختمه بعد الوصية بطاعة الوالد بذكر دقيق الأعمال وجليلها ، وأنها في علم الله سواء ، حسن جداً الرجوع إلى تمام بيان حكمته ، فقال بادئاً بما يناسب ذلك من دقيق العلم ومحيطه المكمل لمقام التوحيد ، وعبر بمثقال الحبة لأنه أقل ما يخطر غالباً بالبال ، وهي من أعظم حاث على التوحيد الذي مضى تأسيسه : ( يا بني ( متحبباً مستعطفاً ، مصغراً له بالنسبة إلى حمل شيء من غضب الله تعالى مستضعفاً : ( إنها ) أي العمل ، وأنث لأنه في مقام التقليل والتحقير ، والتأنيث أولى بذلك ، ولأنه يؤول بالطاعة والمعصية والحسنة والسيئة ) إن تك ( وأسقط النون لغرض الإيجار في الإيصاء بما ينيل المفاز ، والدلالة على أقل الكون وأصغره ) مثقال ) أي وزن ، ثم حقرها بقوله : ( حبة ( وزاد في ذلك بقوله : ( من خردل ( هذا على قراءة الجمهور بالنصب ، ورفه المدنيان على معنى أن الشأن والقصة العظيمة أن توجد في وقت من الأوقات هنة هي أصغر شيء وأحقره - بما أشار إليه التأنيث .
ولما كان قد عرف أن السياق لماذا أثبت النون في قوله مسبباً عن صغرها : ( فتكن ( إشارة إلى ثباتها في مكانها .
وليزداد تشوف النفس إلى محط الفائدة ويذهب الوهم كل مذهب لما علم من أن المقصد عظيم بحذف النون وإثبات هذه ، وعسرّها بعد أن حقرها بقوله معبراً عن أعظم الخفاء وأتم الإحراز : ( في صخرة ) أي أيّ صخرة كانت ولو أنها أشد الصخور وأقواها وأصغرها وأخفاها .
ولما أخفى وضيق ، أظهر ووسع ، ورفع وخفض ، ليكون أعظم لضياعها لحقارتها فقال : ( أو في السموات ) أي في أيّ مكان كان منها على سعة أرجائها وتباعد أنحائها ، واعاد ( أو ) نصاً على إرادة كل منهما على حدته ، والجار تأكيداً للمعنى فقال : ( أو في الأرض ) أي كذلك ، وهذا كما ترى ولا ينفي أن تكون الصخرة فيهما أو في أحداهما ،

الصفحة 18