كتاب نظم الدرر فى تناسب الآيات والسور - العلمية (اسم الجزء: 6)
صفحة رقم 19
وعبر له بالاسم الأعظم لعلو المقام فقال : ( يأتِ بها الله ( بعظم جلاله ، وباهر كبريائه وكماله ، بعينها لا يخفى عليه ولا يذهب شيء منها ، فيحاسب عليها ، ثم علل ذلك من علمه وقدرته بقوله مؤكداً إشارة إلى أن إنكار ذلك لما له من باهر العظمة من دأب النفوس إن لم يصحبها التوفيق : ( إن الله ( فأعاد الاسم الأعظم تنبيهاً على استحضار العظمة وتعميماً للحكم ) لطيف ) أي عظيم المتّ بالوجوه الخفية الدقيقة الغامضة في بلوغه إلى أمر أراده حتى بضد الطريق الموصل فيهما يظهر للخلق ) خبير ( بالغ العلم بأخفى الأشياء فلا يخفى عليه شيء ، ولا يفوته أمر .
ولما نبهه على إحاطة علمه سبحانه وإقامته للحساب ، أمره مما يدخره لذلك توسلاً إليه ، وتخضعاً لديه ، وهو رأس ما يصلح به العمل ويصحح التوحيد ويصدقه ، فقال : ( يا بني ( مكرراً للمناداة على هذا الوجه تنبيهاً على فرط النصيحة لفرط الشفقة ) أقم الصلاة ) أي بجميع حدودها وشروطها ولا تغفل عنها ، سعياً في نجاة نفسك وتصفية سرك ، فإن إقامتها - وهي الإيتان بها على النحو المرضي - مانعة من الخلل في العمل ) إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ( لأنها الإقبال على من وحدته فاعتقدت أنه الفاعل وحده وأعرضت عن كل ما سواه لأنه في التحقيق عدم ، ولهذا الإقبال والإعراض كانت ثانية التوحيد ، وترك ذكر الزكاة تبيهاً على أن من حكمته تخليه وتخلي ولده من الدنيا حتى مما يكفيهم لقوتهم .
ولما أمر بتكميله في نفسه بتكميل نفسه لحق الحق ، عطف على ذلك تكميله لنفسه بتكميل غيره توفية لحق الخلق ، وذلك ان لما كان الناس في هذه الدار سفراً ، وكان المسافر إن أهمل رفيقه حتى أخذ أوشك أن يؤخذ هو ، أمره لما يكمل نجاته بتكميل رفيقه ، وقدمه - وإن كان من جلب المصالح - لأنه يستلزم ترك المنكر ، وأما ترك المنكر فلا يستلزم فعل الخير ، فإنك إذا قلت : لا تأت منكراً ، لم يتناول ذلك في العرف إلا الكف عن فعل المعصية ، لا فعل الطاعة ، فقال : ( وأمر بالمعروف ) أي كل من تقدر على أمره تهذيباً لغيرك شفقة على نفسك بتخليص أبناء جنسك .
ولما كانت هذه الدار سفينة لسفر من فيها إلى ربهم ، وكانت المعاصي مفسدة لها ، وكان فساد السفينة مغرقاً لكل من فيها : من أفسدها ومن أهمل المفسد ولم يأخذ على يده ، وكان الأمر بالمعروف نهياً عن المنكر ، صرح به فقال : ( وانه ) أي كل من قدرت على نهيه ) عن المنكر ( حباً لأخيك ما تحب لنفسك ، تحقيقاً لنصيحتك ، وتكميلاً لعبادتك ، لأنه ما عبد الله أحد ترك غيره يتعبد لغيره ، ومن هذا الطراز قول أبي الأسود رحمه الله تعالى :