كتاب نظم الدرر فى تناسب الآيات والسور - العلمية (اسم الجزء: 6)
صفحة رقم 20
ابدأ بنفسك فانهها عن غيّها فإذا انتهت عنه فأنت حكيم
لأنه أمره أولاً بالمعروف ، وهو الصلاة الناهية عن الفحشاء والمنكر ، فإذا أمر نفسه ونهاها ، ناسب أن يأمر غيره ينهاه ، وهذا وإن كان من قول لقمان عليه السلام إلا أنه لما كان في سياق المدح له كنا مخاطبين به .
ولما كان القابض على دينه في غالب الأزمان كالقابض على الجمر ، لأنه يخالف المعظم فيرمونه عن قوس واحدة لا سيما أن أمرهم ونهاهم ، قال تعالى : ( واصبر ( صبراً عظيماً بحيث يكون مستعلياً ) على ما ) أي الذي ، وحقق بالماضي أنه لا بد من المصيبة ليكون الإنسان على بصيرة ، فقال : ( أصابك ) أي في عبادتك من الأمر بالمعروف وغيره سواء كان بواسطة العباد أو لا كالمرض ونحوه ، وقد بدأ هذه الوصية بالصلاة وختمها بالصبر لأنها ملاك الاستعانة
77 ( ) واستعينوا بالصبر والصلاة ( ) 7
[ البقرة : 45 ] واختلاف المخاطب في الموضعين أوجب اختلاف الترتيبين ، المخاطب هنا مؤمن متقلل ، وهناك كافر متكثر .
ولما كان ما أحكمه له عظيم الجدوى ، وجعل ختامه الصبر الذي هو ملاك الأعمال والتروك كلها ، نبهه على ذلك بقوله على سبيل التعليل والاستئناف إيماء إلى التبجيل : ( إن ذلك ) أي الأمر العظيم الذي أوصيتك به لا سيما الصبر على المصائب : ( من عزم الأمور ) أي معزوماتها ، تسمية لاسم المفعول أو الفاعل بالمصدر ، أي الأمور المقطوع بها المفروضة أو القاطعة الجازمة بجزم فاعلها ، أي التي هي أهل لأن يعزم عليها العازم ، وينحو إليها بكليته الجازم ، فلا مندوحة في تركها بوجه من الوجوه في ملة من الملل .
ولما كان من آفات العبادة لا سيما الأمر والنهي - لتصورهما بصورة الاستعلاء - الإعجاب إلى الكبر ، قال محذراً من ذلك معبراً عن الكبر بلازمه ، لأن النفي الأعم نفي للأخص ، منبهاً على أن المطلوب في الأمر والنهي اللين لا الفظاظة والغلظة الحاملان على النفور : ( ولا تصعر خدك ) أي لا تمله معتمداً إمالته بإمالة العنق متكلفاً لها صرفاً عن الحالة القاصدة ، وأصل الصعر داء يصيب البعير يلوي منه عنقه ، وقرأ نافع وأبو عمرو وحمزة والكسائي : تصاعر ، والمراد بالمفاعلة والتفعيل تعمد فعل ذلك لأجل الكبر حتى يصير خلقاً ، والمراد النهي عما يفعله المصعر من الكبر - والله أعلم .
ولما كان ذلك قد يكون لغرض من الأغراض التي لا تذم ، أشار إلى المقصود بقوله تعالى : ( للناس ( بلام العلة ، أي لا تفعل ذلك لأجل الإمالة عنهم ، وذلك لا يكون إلا تهاوناً بهم من الكبر ، بل أقبل عليهم بوجهك كله مستبشراً منبسطاً من غير كبر