كتاب نظم الدرر فى تناسب الآيات والسور - العلمية (اسم الجزء: 6)

صفحة رقم 21
ولا علو ، وأتبع ذلك ما يلزمه فقال : ( ولا تمش ( ولما كان في أسلوب التواضع وذم الكبر ، ذكره بأن أصله تراب ، وهو لا يقدر أن يعدوه فقال : ( في الأرض ( وأوقع المصدر موقع الحال أو العلة فقال : ( مرحاً ) أي اختيالاً وتبختراً ، أي لا تكن منك هذه الحقيقة لأن ذلك مشي أشر وبطر وتكبر ، فهو جدير بأن يظلم صاحبه ويفحش ويبغي ، بل امش هوناً فأن ذلك يفضي بك إلى التواضع ، فتصل إلى كل خير ، فترفق بك الأرض إذا صرت فيها حقيقة بالكون في بطنها .
ولما كانت غاية ذلك الرياء للناس والفخر عليهم المثمر لبغضتهم الناشئة عن بغضة الله تعالى ، علله بقوله مؤكداً لأن كثيراً من الناس يظن أن أسباغ النعم الدنيوية من محبة الله : ( إن الله ) أي الذي لا ينبغي الكبر إلا له لما له من العظمة المطلقة .
ولما كان حب الله الذي يلزمه حب الناس محبوباً للنفوس ، وكان فوات المحبوب أشق على النفوس من وقوع المحذور ، وكانت ( لا ) لا تدخل إلا على المضارع المستقبل قال : ( لا يحب ) أي فيما يستقبل من الزمان ، ولو قال ( يبغض ) لاحتمال التقييد بالحال ، ولما كان النشر المشوش أفصح لقرب الرجوع تدليا فيما ترقى فيه المقبل قال : ( كل مختال ) أي مراء للناس في مشيه تبختراً يرى له فضلاَ على الناس فيشمخ بأنفه ، وذلك فعل المرح ) فخور ( يعدد مناقبه ، وذلك فعل المصعر ، لأن ذلك من الكبر الذي تردى به سبحانه وتعالى فمن نازعه إياه قصمه .
لقمان : ( 19 - 20 ) واقصد في مشيك. .. . .
) وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِن صَوْتِكَ إِنَّ أَنكَرَ الأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ أَلَمْ تَرَوْاْ أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً وَمِنَ النَّاسِ مَن يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلاَ هُدًى وَلاَ كِتَابٍ مُّنِيرٍ ( ( )
ولما كان النهي عن ذلك امراً بأضداده ، وكان الأمر بإطلاق الوجه يلزم منه الإنصاف في الكلام ، وكان الإنصاف في الكلام والمشي لا على طريق المرح والفخر ربما دعا إلى الاستماتة في المشي والحديث أو الإسراع في المشي والسر والجهر بالصوت فوق الحد ، قال محترساً في الأمر بالخلق الكريم عما يقارب الحال الذميم : ( واقصد ) أي اعدل وتوسط ) في مشيك ( لا إفراط ولا تفريط مجانباً لوثب الشطار ودبيب المتماوتين ، وعن ابن مسعود : كانوا ينهون عن خبب اليهود ودبيب النصارى ، والقصد في الأفعال كالقسط في الأوزان - قال الرازي في الوامع ، وهو المشي الهون الذب ليس فيه تصنع للخلق لا بتواضع ولا بتكبر ) واغضض ) أي انقص ، ولأجل ما

الصفحة 21