كتاب نظم الدرر فى تناسب الآيات والسور - العلمية (اسم الجزء: 6)

صفحة رقم 598
قضى عليه تعالى بالكفر ، اتبعت السورتان بما اشتملت عليه سورة الشورى من أن ذلك كله إنما جرى على ما سبق في عمله تعالى بحكم الأزلية ) فريق في الجنة وفريق في السعير ( ) وما أنت عليهم بوكيل ( ) ولو شاء الله لجعلهم أمة واحدة ( ) ولولا كلمة الفصل لقضى بينهم ( ) وهو على جمعهم إذا يشاء قدير ( ) وما أنتم بمعجزين في الأرض ( ) ومن يضلل الله فما له من سبيل ( ) إن عليك إلا البلاغ ( ) نهدي به من نشاء من عبادنا ( فتأمل هذه وما التحم بها مما لم يجر في السورة المتقدمة منه إلا النادر ، ومحكم ما استجره ، وبناء هذه السورة على ذلك ومدار آيها ، يلح لك وجه اتصالها بما قبلها والتحامها بما جاورها .
ولما ختمت سورة السجدة بقوله تعالى ) إلا أنهم في مرية من لقاء ربهم ( اعقبها سبحانه بتنزيهه وتعاليه عن ريبهم وشكهم ، فقال تعالى ) تكاد السماوات يتفطرن من فوقهن ( كما أعقب بمثله في قوله تعالى ) وقالوا اتخذ الرحمن ولداً لقد جئتم شيئاً إذ تكاد السماوات يتفطرون منه ( ولما تكرر في سورة حم السجدة ذكر تكبر المشركين وبعد انقيادهم في قوله تعالى ) فأعرض أكثرهم وقالوا قلوبنا في أكنة ( إلى ما ذكر تعالى من حالهم المنبئة عن بعد استجابتهم قال تعالى في سورة الشورى ) كبر على المشركين ما تدعوهم إليه ( - انتهى .
ولما أخبر سبحانه أنه صاحب الوحي بالشرائع دائماً قديماً وحديثاً ، علل ذلك بأنه صاحب الملك العام فقال : ( له ما في السموات ) أي من الذوات والمعاني ) وما في الأرض ( كذلك .
ولما كان العلو مستلزماً للقدرة قال : ( وهو العلي ) أي على العرض الذي السماوات فيه علو رتبة وعظمة ومكانة لا مكان وملابسة ، فاستلزم ذلك أن تكون له السماوات كلها والأراضي كلها مع ما فيها ) العظيم ) أي فلا يتصور شيء في وهم ولا يتخيل في عقل إلا وهو أعظم منه بالقهر والملك ، فلذلك يوحي إلى من يشاء بما يشاء من إقرار وتبديل ، لا اعتراض لأحد عليه .
ولما كان السياق مفهماً عظيم ملكه سبحانه وقدرته بكثرة ما في الأكوان من الأجسام والمعاني التي هي لفظاعتها لا تحتمل ، قال مبيناً لذلك : ( تكاد السماوات ) أي على عظم خلقهن ووثاقة إبداعهن ، وفلقهن بما أعلم به الواقع ، ونبه عليه بتذكير ) تكاد ( في قراءة نافع والكسائي ) يتفطرن ) أي يتشققن ويتفرط أجزاؤهن مطلق انفطار في قراءة من قرأ بالنون وخفف وهم هنا أبو عمرو وشعبة عن عاصم ، وتفطراً شديداً في قراءة الباقين بالتاء المثناة من فوق مفتوحة وتشديد الطاء ، مبتدئاً ذلك ) من

الصفحة 598