كتاب نظم الدرر فى تناسب الآيات والسور - العلمية (اسم الجزء: 6)
صفحة رقم 600
جادلهم سبحانه عنهم أنه له بهم عناية ، فكانوا يرون أن الأقرب إلى رضاه الاستغفار لهم ، فلذلك عبر عنهم سبحانه بقوله حاذقاً ما أوجبه السياق في ) غافر ( من ذكر الإيمان ، إشارة إلى أن أقرب الخلق من العرش كأبعد الناس في الإيمان المشروط بالغيب إبلاغاً في التنزيه لأنه لا مقتضى له هنا : ( ويستغفرون ) أي وهم مع التسبيح يطلبون الغفران ) لمن في الأرض ( لما يرون من شدة تقصيرهم في الوفاء بحق تلك العظمة ، التي لا تضاهى ، أما للمؤمن فمطلقاً ، وأما للكافر فبتأخير المعالجة ، وكذا لبقية الحيوانات ، وذلك لما يهولهم مما يشاهدونه من عظمة ذي الكبرياء وجلالة ذي الجبروت .
قال ابن برجان : لم يشأ الله جل ذكره كون ضيء إلا قيض ملائكة من عباده يشفعون في كونه ، وكذلك في إبقاء ما شاء إبقاءه وإعدام ما شاء إعدامه ، وهذه أصول الشفاعة فلا تكن من الممترين ، وألطف من ذلك أن تكون كيدودة انفطارهن في حال تسبيح الملائكة واستغفارهم لما يرين من فوقهن من العظمة ، ومن تحتهن من ذنوب الثقلين ، فلولا ذكرهم لتفطرن وحضر العذاب ، فعوجل الخلق بالهلاك ، وقامت القيامة ، وقضيا الأمر ، وإذا كانت كيدودة الانفطار مع هذا التنزيه والاستغفار ، فما ظنك بما يكون لو عرى الأمر عنه وخلا منه ، ولذلك ذكر العموم هنا ولم يخص المؤمنين بالاستغفار كما في ) غافر ( لما اقتضاه السياق هنا من العموم ، ولأن مقصود غافر تصنيف الناس في الآخرة هذه الجمع على الدين في الدنيا فناسب ذلك إفراد الذين تلبسوا بالإيمان ، ومقصود هذه الجمع على الدين في الدنيا فناسب الدعاء للكل ليجازي كل بما يستحقه من إطلاق المغفرة في الدارين للمؤمن وتقييدها بالتأخير في الدنيا للكافر .
ولما كانت أفعال أهل الأرض وأقوالهم عظيمة المخالفة لما يرضيه سبحانه فهم يستحقون المعاجلة بسببها ، أجاب من كأنه قال : هذا يستجاب لهم في المؤمنين ، فكيف يستجاب لهم في الكافرين ليجمع الكلام التهييب والتهويل في أوله والبشارة واللطف والتسير في آخره ، فقال لافتاً القول عن صفة الإحسان إلى الاسم الأعظم تعريفاً بعظيم الأمر حملاً على لزوم الحمد وإدامة الشكر : ( ألا إن الله ) أي الذي له الإحاطة بصفات الكمال ، فله جميع العظمة ، وأكد لأن ذلك لعظمة لا يكاد يصدق ) هو ) أي وحده ، ورتب وصيفه سبحانه على أعلى وجوه البلاغة فبدأ بما أفهم إجابة الملائكة وأتبعه الإعلام بمزيد الإكرام فقال : ( الغفور الرحيم ) أي العام الستر والإكرام على الوجه الأبلغ أما لأهل الإيمان فواضح دنيا وآخرة ، وأما لأهل الكفران ففي الدنيا فهو يرزقهم ويعافيهم ويملي لهم
77 ( ) ولو يؤاخذ الله الناس بما كسبوا ما ترك على ظهرها من دابة ( ) 7
[ فاطر : 45 ] وأما الله فلا يغفر لأهل معصيته ، ولو أراد ذلك ما تمكن .