كتاب نظم الدرر فى تناسب الآيات والسور - العلمية (اسم الجزء: 6)
صفحة رقم 602
مرة واحدة فقال معبراً بالماضي الدال على الإمضاء والقطع والقضاء الحتم في كل من الإيحاء وفائدته التي هي الأنذار ، عاطفاً على ما يتصل بالآية السالفة المختومة بنفي الوكالة مما تقديره : إنما عليك البلاغ بالبشارة والنذارة ، وقد أوحينا إليك البشارة رمزاً ، كما جرت به عادة الأحباب في محاورات الخطاب ، ولفت القول إلى مظهر العظمة لأن الإنذار من مجازه : ( وكذلك ) أي ومثل ذلك الإيحاء الذي قدمنا أنا حبوناك به من وحي الإشارة بالحروف المقطعة ) أوحينا ( بما لنا من العظمة مع الفرق بين كل ملبس ) إليك قرآناً ( جامعاً لكل حكمة ) عربياً ( فهو بين الخطاب واضح الصواب معجز الجناب ) لتنذر ) أي به ) أم القرى ( مكة التي هي أم الأرض وأصلها ، منها دحيت ولشرفها أوقع الفعل عليها ، عدا لها عداد العقلاء ، ثم بين أن المراد أهلها بقوله : ( ومن ) أي وتنذر من ) حولها ( وهم سكان جميع الأرض التي هي امها ، وبذلك فسره البغوي فقال : قرى الأرض كلها ، وكذا القشيري وقال : العالم محدق بالكعبة ومكة لأنها سرة الأرض .
ولما كان مفعول ) تنذر ( الثاني على ما هدى إليه السياق ما عذبت به الأمم السالفة والقرون الماضية حين تمادى بهم الكفر وغلب عليهم الظلم في اتخاذهم أولياء من دون الله ، عطف عليه : ( وتنذر ) أي أم القرى ومن حولها مع عذاب الأمم في الدنيا ) يوم الجمع ) أي لجميع الخلائق ببعثهم من الموت ، حذف المفعول الأول من الشق الثاني ، والمفعول الثاني من الأول ، فالآية من الاحتباك : ذكر المنذرين أولاً دلالة على إرادتها ثانياً ، وذكر المنذر به وهو يوم الجمع ثانياً دلالة على المنذر به من عذاب الأمم أولاً ، ليذهب به الوهم في المحذوف كل مذهب ، فيكون أهول ، وذكر هذا المذكور أفخم وأوجل .
ولما كان الإنذار - وهو الإعلام بموضع المخافة - تارة يكون عما لا علم به ، وهو الأغلب ، وتارة عما وقع العمل به ثم خالف المنذر به علمه أعمال من لا علم له به ، نبه على هذا من القسم الثاني بقوله في جملة حالية : ( لا ريب فيه ) أي لأنه قد ركز في فطرة كل أحد أن الحاكم إذا استعمل عبيده في شيء ثم تظالموا فلا بد له بما تقتضيه السياسة من جمعهم لينصف بينهم وإلا عد سفيهاً ، فما ظنك بأحكم الحاكمين .
ولما تشوف السامع إلى ما يفعل في جمعهم ، وكان الثقلان لما طبعوا عليه من النقصان أهل فرقة وطغيان ، ذكر نهايته معبراً بما هو من الفرقة بقوله مسوغاً الابتداء بالنكرة للتفصيل أو تقرير الوصف : ( فريق ) أي من المجموعين أهل فرقة تداركهم الله بأن جعلهم أهل جمع ) في الجنة ( فصلاّ منه وهم الذين قبلوا الإنذار وبالغوا في الحذار