كتاب نظم الدرر فى تناسب الآيات والسور - العلمية (اسم الجزء: 6)

صفحة رقم 603
) وفريق ) أي منهم خذلهم الله ووكلهم إلى أنفسهم فزادوا في الفرقة ) في السعير ( عدلاً منه ، قال القشيري : كما أنهم في الدنيا فريقان : فريق في درجات الطاعة وحلاوات العبادات ، وفريق في ظلمات الشرك وعقوبات الجحد والشك ، فلذلك غذاهم فريقان : فريق هم أهل اللقاء ، وفريق هم أهل البلاء والشقاء .
روى الإمام أحمد عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال : خرج علينا رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وفي يده كتابان فقال : ( أتدرون ما هذا الكتابان ) قال : قلنا لا ، إلا أن تخبرنا يا رسول الله قال للذي في يده اليمنى ( هذا كتاب من رب العالمين بأسماء أهل الجنة وأسماء آبائهم وقبائلهم ، ثم أجمل على آخرهم ، ولا يزاد فيهم ولا ينقص منهم أبداً ) ثم قال للذي في يساره ( هذا كتاب أهل النار بأسمائهم وأسماء آبائهم وقبائلهم ، ثم أجمل على آخرهم ، لا يزاد فيهم ولا ينقص منهم أبداً ) فقال أصحاب رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) : فلأي شيء نعمل إن كان هذا أمراً قد فرغ منه ، قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ( سددوا وقاربوا فإن صاحب الجنة يختم له بعمل الجنة وإن عمل أي عمل وإن صاحب النار يختم له بعمل النار وإن عمل أي عمل ) قال بيده فقبضها ، ثم قال ( فرغ ربكم عز وجل من العباد ، ثم قال باليمنى فنبذ بها فقال : فريق في الجنة ، ونبذ باليسرى فقال : فريق في السعير ) قال ابن كثير : وهكذا رواه النسائي والترمذي جميعاً ، وقال الترمذي : حسن صحيح غريب .
ولما كان ملوك الدنيا غالباً لا يريدون أن يعصى أمرهم ، فإذا حذروا من شيء أرادوا أن لا يقرب ، فإن فعله أحد كان فعله له خارجاً من مرادهم ، فكانت عقوبتهم له لخروجه عن المراد شفاء لما حصل لهم من داء الغيظ ، بين أمه سبحانه على غير ذلك ، وأنه منزه عن خروج شيء عن مراده ، وعن أن يلحقه نفع بطاعة أو ضر بمعصية ، وإن عقوبته إنما هي على مخالفة أمره مع الدخول تحت مراده بإلجائه وقسره ، وهذا في نفس الأمر ، وأما في الظاهر فالأمر أن لا يظهر أنه لشيء منهما إلا صرف الاختيار ، فقال صارفاً القول عن مظهر العظمة استيفاء لإنذار ما هو حقيق به منها إلى الاسم الجامع صفات العظمة وغيرها لاقتضاء الحال له : ( ولو شاء الله ) أي المحيط بجميع صفات الكمال ) لجعلهم ) أي المجموعين ) امة واحدة ( للعذاب أو الثواب ولكنه لم يشأ ذلك بل شاء أن يكونوا فريقين : مقسطين وظالمين ، ليظهر فضله وعدله وأنه إله جبار واحد

الصفحة 603