كتاب نظم الدرر فى تناسب الآيات والسور - العلمية (اسم الجزء: 6)
صفحة رقم 614
كان في الأولين ، والعدل على أربع شعب : على غائص الفهم وزهرة الحلم وروضة العلم وشرائع الحكم ، فمن فهم جمع العلم ، ومن حلم لم يضل في الحكم ، ومن علم عرف شرائع الحكم ، ومن حلم لم يفرط أمره ، وعاش في الناس .
والجهاد على أربع شعب : على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والصدق في المواطن وشنآن الفاسقين ، فمن أمر بالمعروف شد ظهر المؤمنين ، ومن نهى عن المنكر أرغم آناف الفاسقين ، ومن صدق في المواطن فقد قضى عليه ، ومن شنئ المنافقين غضب الله وغضب الله له فأزلفه وأعلى مقامه ، قال : فقام الرجل فقبل رأسه .
ولما أخبر بالعدل في القوة النظرية ، أتبعه ذلك في القوة العملية فقال : ( وأمرت ) أي ممن له الأمر كله بما أمرني به مما أنزل عليّ ) لأعدل ) أي لأجل أن أعدل ) بينكم ( أيها المفرّقون في الأديان من العرب والعجم من الجن والإنس كما دعى إليه كمال القوة العملية ، ثم علل ذلك بقوله : ( الله ) أي الذي له الملك كله ) ربنا وربكم ) أي موجدنا ومتولي جميع أمورنا ، فلهذا أمرنا بالعدل على سبيل العموم لأن الكل عباده .
ولما كان الرب واحداً ، انتج عنه قوله : ( لنا أعمالنا ( خاصة بنا لا تعدونا إلى غيرنا ) ولكم أعمالكم ( خاصة بكم لا تعدونا إلى غيركم ، لأنه لا داعي لأن نأخذ عمل بعضنا فنعطيه لغيره ، لأن ذلك لا يفعله إلا ذو غرض ، وهو سبحانه محيط بصفات الكمال ، فهو منزه عن الأغراض ، ولما وصل بتمام هذه الجملة في إزالة الريب وإثبات الحق إلى ما هو كالشمس لثبوت الرسالة بالمعجزات وإعجاز هذا الكتاب وتصادقه مع ما عند أهل الكتاب ، وبيان هاتين المقدمتين اللتين لا نزاع بين أحد من الخلق فيهما كانت نتيجة ذلك : ( لا حجة ) أي موجودة بمحاجة أحد منا لصاحبه ) بيننا وبينكم ( لأن الأمر وصل إلى الانكشاف التام فى فائدة بعدة للمحاجة فما بقي إلا المجادلة بالسيوف ، وإدارة كؤوس الحتوف ، لأنا نعلم بإعلام الله لنا في كتابه الذي دلنا إعجازه لخللائق على أنه كلامه ، فنحن نسمعه لذلك منه أنا على محض الحق وأنكم على محض الباطل ، وقد أعذرنا إليكم وأوصلنا ببراهينه إلى المشاهدة فلم يبق إلا السيف عملاً بفضيلة الشجاعة .
ولما كان هذا موضع أن يقال : أفما تخافون الله فيمن تقاتلونه وهو عباده ، أجاب بقوله مظهراً غير مضمر تعظيماً للأمر : ( الله ) أي الذي هو أحكم الحاكمين ) يجمع بيننا ) أي نحن وأنتم على دين واحد أراد فلا يكون قتال ، وفي الاخرة على كل حال ) فهو يحكم بيننا (
77 ( ) وسيعلم الذين ظلموا أيّ منلقب ينقلبون ( ) 7
[ الشعراء : 227 ] فما أقدمنا على القتال إلا عن بصيرة .