كتاب نظم الدرر فى تناسب الآيات والسور - العلمية (اسم الجزء: 6)
صفحة رقم 615
ولما كان الجامع بين ناس قد يكون مآلهم إلى غيره ، بين أن الأمر فيه على غير ذلك ، فقال عاطفاً على ما تقديره : فمنه كان المبدأ : ( وإليه ) أي لا إلى غيره من حيث هذا الاسم الجامع لجميع الصفات ) المصير ( حساً ومعنى لتمام عزته وشمول عظمته وكمال رحمته ، وما كان فيما بين المبدأ والمعاد من الأمور التي كانت بحيث يظن أنها خارجة - لتصرف الغير فيها - إنما كانت ابتلاء منه يقيم بها الحجة على العباد على ما يتعارفونه بينهم ، وما كان المتصرف فيها غيره فتصرفهم إنما كان أمراً طارئاً يصحح عليهم الحجة ويلزمهم الحجة .
ولما كان التقدير : فالذين رجعوا إليه طوعاً في هذه الدار بعد هذا البيان والإظهار ، وتركوا الجدال حجتهم ثابتة ولهم الرضا والنعيم المقيم ، عطف عليه قوله مبتدئاً بالموصول ليصله بما يفهم التجدد والاستمرار : ( والذين يحاجّون ) أي يوردون تشكيكاً على ديه على دينه الحق من الشبه ما يسمونه حججاً ، ولعل الإدغام يشير إلى أن أهل هذا الضرب منافقون يلقون شبههم في خفاء فتشربها قلوب أمثالهم فتصير أهوية فيضعف أمرها ويؤيده تقييد الدحوض بما عند الرب ) في الله ) أي في دين الملك الأعظم ليعيدوا الناس بعدما دخلوا في نور الهدى إلى ظلام الضلال .
ولما كانت إقامة الحجة وإظهار المعجزة أمراً ملزماً لجميع من بلغه الاستجابة لوصول الأمر إلى حد من البيان سقط معه الجدال ، قال معلماً إن ما كان في قوة الوجود يصح أن يطلق عليه أنه موجود ، ومنبهاً بالجار على ذم هذا الجدال ولو قل زمنه : ( من بعدما ( ولما كان المقصود مطلق الاستجابة لا من مجيب معين قال : ( استجيب له ) أي استجاب له الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) ، وصار الناس كلهم بما يبين لهم مستحبين بالقوة وإن لم يستجيبوا بالفعل ، فإن الأمر قد ظهر غاية الظهور ، ولم يبق إلا العناد ، فهذه الجملة هي المراد والثمرة من قوله ) لا حجة بيننا وبينكم ( .
ولما كان من خالف ظاهره باطنه ضعيف الحجة هلهل النسج ، قال معبراً بمبتدأ ثان مفرداً للحجة إشارة إلى ضعفها : ( حجتهم ) أي التي زعموها حجة ، وأخبر عن هذا المبتدأ الثاني ليكون هو وخبره خبراً عن الأول فقال : ( داحضة ) أي زالقة فهي ذاهبة غير ثابتة لأجل أنها في معارضة ما ظهوره كالشمس بل أجلى ، والعبارة لفتٌ إلى صفة الإحسان والعندية إشارة إلى شدة ظهور ما في حجتهم من الدحوض لأن ) عند ( للأمور الظاهرة المألوفة ، وصفة التربية للعطف والرفق ، والإضافة إلى ضميرهم تقتضي مزيد لطف وعطف ، فهو إشارة إلى أنها هباء منثور عند تدقيق النظر ولا سيما إذا كان بصفة عزة وقهر وغضب ، فالمعنى أن دحوضها ظاهراً جداً ولو عوملوا بصفة الإحسان ولو