كتاب نظم الدرر فى تناسب الآيات والسور - العلمية (اسم الجزء: 6)
صفحة رقم 617
العقل وأبين من الميزان للحس : ( والميزان ) أي الأمر به مريداً به عينه حقيقة وجميعها بل جميع العدل الذي تقدم في ) لا عدل بينكم ( مجازاً .
ولما ثبت أن من جادل فيه كانت حجته داحضة إذا حوسب في الساعة فكان معذباً ، وكان التقدير بما هدى إليه السياق له ( صلى الله عليه وسلم ) فيما يقاسي في إنفاذ ما أمر به من العدل في جميع أقواله وأفعاله وصبره على أذاهم : فمن فزع إلى الكتاب في المعاني وإلى الميزان في الأعيان فبنى أمره على تحقيق العدل فيهما بمها فاز ، ومن أهمل ذلك خاب يعاجل في الدنيا بالأخذ لكون أجله الذي سبقت الكلمة بتأخيره إليه قد حضر ، عطف عليه قوله موجهاً الخطاب إلى أعلى الخلق تعظيماً للأمر : ( وما يدريك ( يا أكمل الخلق ) لعل الساعة ( التي أشير إليها في هذه الآية بقوله ) عند ربهم ( بعد أن صرح بها في آية .
ولما كان تأنيث الساعة غير حقيقي لأنها بمعنى الوقت ، ذكرها فقال : ( قريب ( فأفهم ذلك أنها ذات الشدائد وأن شدائدها ذكور الشدائد وأن قربها أسرع من لمع البرق لما له من الثبات في الحق ، أو ذكرها على إرادة السبب أي ذات قرب ، أو على حذف مضافة أي مجيئها ، وعلى كل حال فهو دال على تفخيمها أي إنك بمظنة من قرب القيامة ، فيقع بهم ما توعدوا به مما ينبغي الإشفاق منه ، فيظهر فيها العدل بموازين القسط لجميع الاعمال ظهوراً لا يتمارى فيه أحد فيشرف من وفى ، ويخزي من جار وجفا .
ولما تصور بهذا قربها مشاراً بالتعبير بلعل إلى أن حال المستعجل بها حال المترجي لشيء محبوب وهو جهل منه عظيم ، شرع في تفصيل الناس في أمرها فقال مشيراً إلى أنه ينبغي للعاقل الاستعداد لها للخلاص في وقتها لظهور دلائلها من غير بحث عن قربها أو بعدها ، فغنه لا بد من كونها ) يستعجل بها ) أي يطلب أن تكون قبل الوقت المضروب لها ) الذين لا يؤمنون بها ) أي لا يتجدد لهم ذلك أصلاً وهم غير مشفقين منها ويظنون أنها الباطل ، وكان الحال يقتضي أن يكونوا أنفر الناس منها لكن حملهم على ذلك تكذيبهم بها واستهزاؤهم وظنهم عدم كونها جهلاً ممن هم معترفون بقدرته وعلوه وعظمته .
ولما دل على جهل الكافرين ، دل على أضدادهم فقال : ( والذبين آمنوا ( وإن كانوا في أول درجات الإيمان ) مشفقون ) أي خائفون خوفاً عظيماً ) منها ( لأن الله هداهم بإيمانهم ، فصارت معادن المعارف ، وقلوبهم منابع الأنوار ، فأيقنوا بما فيها من الأهوال الكبار ، فخافوا للطافتهم أن يكونوا مع صلاحهم من أهل النار .
ولما قدم الإشفاق تنبيهاً على أن العاقل ينبغي أن يخشى ما يمكن وقوعه ، قال : ( ويعلمون