كتاب نظم الدرر فى تناسب الآيات والسور - العلمية (اسم الجزء: 6)
صفحة رقم 619
ورحمة ورفق خفي ) بعباده ( - انتهى .
أما المؤمن فواضح ، وأما الكافر فأقل لطفه به أنه لا يعاجله في الدنيا ولا يعذبه فوق ما يستحق في الأخرى ، فالاسم الأول تخويف والثاني ترجية ظاهرة باطنها تخويف ، إشارة إلى ما ينبغي من الخوف والرجاء ، وأن يكون الخوف أغلب .
ولما كان أظهر ما يكون هذا الوصف في الرزق ، فإنه يوسع على من لا حيلة له ، ويحرم من هو في غاية القوة والقدرة ، ويرفع الضعيف الجبان ويخفض القوي الشجاع ، وكل ذلك على حسب ما يعلم من بواطنهم ويزيد من أعمالهم ، قال دالاً على ذلك استئنافاً لمن سأل عن كيفية اللطف : ( يرزق من يشاء ( مهما شاء على سبيل من السعة أو الضيق أو التوسط لا مانع له من شيء من ذلك ، ويمنع الرزق عمن يشاء إذا علم فراغ أجله فيتوفاه إليه فأجهدوا أنفسكم في طلب مرضاته ، ولا تلتفتوا إلى الخوف من الحاجة فإنه قد فرغ من تقدير الرزق ونهى عن المبالغة في طلبه .
ولما كان ذلك لا يستطيعه أحد سواه لما يحتاج إليه من القوة الكاملة والعزة الشاملة قال : ( وهو القوي ) أي فلا يضيق عطاؤه بشيء ) العزيز ( فلا يقدر أحد أن يمنعه عن شيء .
ولما بين بهذا أن الرزق ليس إلا في يده ، أتبعه ما يزهد في طلب رزق البدن ، ويرغب في رزق الروح فقال على سبيل الاستئناف جواباً لمن يسأل : هل يكون الرزق بشدة السعي أولاً ، وبدأ برزق الروح لشرفه : ( من كان ) أي من شريف أو دنيء ) يريد ( ولما كان مدار مقصد السورة على الدين ، وكان الدين معاملة بين العبد وربه يقصد به ما يقصد بالحرث من حصول الفائدة ، وكان الحرث من أجل أسباب المكاسب ، وكانت الجنة قيعاناً غراسها ذكر الله ، عبر عن مطلق الكسب بالحرث فقال : ( حرث الآخرة ) أي أعمالها وإنجاحها إلا الله ، وكان الآدمي يظن لنفسه في ذلك قدرة ، نبه سبحانه بالالتفات إلى أسلوب العظمة أن أمره سبحانه في ذلك لا يستطاع دفاعه ولا ممانعته ونزاعه : ( نزد له ) أي بعظمتنا التي لا يقدر أحد على تحويلها ) في حرثه ( بأن يعينه على الأعمال الصالحة بإنارة القلب وتصفية الحال وتهدئة السر ونفوذ البصر فيما يضر وينفع ويضاعف له ثوابها من العشر لكل حسنة إلى ما لا نهاية له ويغطيه ، من الدنيا التي أعرض عنها ما قدر له إعانة له على ما أقبل عليه من الآخرة ، وطى ذكر الدنيا في هذا الشق تنبيهاً على أنها أحقر من أن تذكر مع أنه معلوم من آيات أخر ) ومن كان ) أي من قوي أو ضعيف ) يريد حرث الدنيا ) أي أرزاقها التي تطلب بالكد والسعي