كتاب نظم الدرر فى تناسب الآيات والسور - العلمية (اسم الجزء: 6)
صفحة رقم 622
ولما كانوا ينكرون أن يقع بهم عذاب ، قال مؤكداً عطفاً على ما قدرته بما أرشد إليه السياق : ( وإن الظالمين ( بشرع ما لم يأذن به الله من الشرك وغيره ) لهم عذاب أليم ) أي مؤلم إيلامه .
ولما علم من هذا السياق كما ترى أنه لا بد من الفصل ، وأن الفصل لا يكون إلا يوم القيامة ، قال شارحاً للفصل بين الفريقين في ذلك اليوم مقبلاً على خطاب أعلى الخلق إشارة إلى أن هذا لا يفهمه حق الفهم ويوقن به حق الإيقان غيره ( صلى الله عليه وسلم ) ، أو يكون المراد كل من يصح أن يخاطب إشارة إلى أن الأمر في الوضوح بحيث لا يختص به أحد دون أحد فقال : ( ترى ) أي في ذلك اليوم لا يشك فيه عاقل لما له من الأدلة الفطرية الأولية والعقلية والنقلية ) الظالمين ) أي الواضعين الأشياء في غير مواضعها ) مشفقين ) أي خائفين أشد الخوف كما هو حال من يحاسبه من هو أعلى منه وهو مقصر .
ولما كان الكلام في الذين ظلمهم صفة راسخة لهم ، كان من المعلوم أن كل عملهم عليهم ، فلذلك عبر بفعل الكسب مجرداً فقال : ( مما كسبوا ) أي عملوا معتقدين لأنه غاية ما ينفعهم ) وهو ) أي جزاءه ووباله الذي هو من جنسه حتى كأنه هو ) واقع بهم ( لا محالة من غير أن يزيدهم خوفهم إلا عذاباً في غمرات النيران ، ذلك هو الخسران المبين ، ذلك الذي ينذر به الذين ظلموا ) والذين آمنوا ( يصح أن يكون معطوفاً على مفعول ) ترى ( وأن يكون معطفوفاً على جميع الجملة فيكون مبتدأ ) وعملوا الصالحات ( وهي التي أذن الله فيها غير خائفين مما كسبوا لأنهم مأذون لهعم في فعله وهو مغفور لهم ما فطروا فيه ) في روضات الجنات ) أي في الدنيا بما يلذذهم الله به من لذائد الأقوال والأعمال والمعارف والأحوال ، وفي الاخرة حقيقة بلا زوال ) لهم ما يشاؤون ) أي دائماً أبداً كائن ذلك لكونه في غاية الحفظ والتربية والتنبيه على مثل هذا الحفظ لفت إلى صفة الإحسان ، فقال : ( عند ربهم ) أي الذي لم يوصلهم إلى هذا الثواب العظيم إلا حسن تربيته لهم ، ولطف بره بهم على حسب ما رباهم .
ولما ذكر ما لهم من الجزاء عظمه فقال : ( ذلك ) أي الجزاء العظيم الرتبة الجليل القدر ) هو ( لا غيره ) الفضل ) أي الذي هو أهل لأن يكون فاضلاً عن كفاية صاحبه ، ولو بالغ في الإنفاق ) الكبير ( الذي ملأ جميع جهات الحاجة وصغر عنده كل ما ناله غيرهم من هذا الحطام ، فالآية كما ترى من الاحتباك : أثبت الإشفاق أولاً دليلاً على حذف الأمن ثانياً ، والجنات ثانياً دليلاً على حذف النيران أولاً .
ولما ذكر محلهم ومآلهم فيه ، بين دوامه زيادة في تعظيمه فقال مبتدئاً : ( ذلك ) أي الأمر العظيم من الجنة ونعيمها ، وأخبر عن المبتدأ بقوله : ( الذي يبشر ) أي مطلق