كتاب نظم الدرر فى تناسب الآيات والسور - العلمية (اسم الجزء: 6)

صفحة رقم 630
عليه الخلائق ما اطاقوا حمله ، فتصبح الأرض ما بين غدران وأنهار ، ونبات ونجم وأشجار ، وحب وثمار ، وغير ذلك من المنافع الصغار والكبار ، فلله ما أعلى هذه القدرة الباهرة والآية الظاهرة ، فيخرج من الأرض التي هي من صلابتها تعجز عنها المعاول نجماً هو في لينه ألين من الحرير ، وفي لطافته ألطف من النسيم ، ومن سوق الأشجار التي تثني فيها المناقير أغصاناً ألطف من ألسنة العصافير ، فما أجلف من ينكر إخراجه الموتى من القبور ، أو يحيد من ذلك بنوع من الغرور .
ولما أنكر عليهم فيما مضى اتخاذ ولي من دونه بقوله تعالى ) أم اتخذوا من دونه أولياء ( وأثبت أنه هو الولي ، وتعرف إليهم بآثاره التي حوت أفأنين أنواره ، وكانت كلها في غاية الكمال موجبة للحمد المتواتر المنوال ، قال : ( وهو ) أي وحده لا غيره ) الولي ) أي الذي لا أحد أقرب منه إلى عباده في شيء من الأشياء ) الحميد ) أي الذي استحق مجامع الحمد مع أنه يحمد من يطيعه فيزيده من فضله ويصل حبله دائماً بحبله .
ولما كان ما مضى من بسط الرزق وقبضة ، وإنزال الغيث وحبسه .
من الآيات العظمية ، عمم بذكر ما ذلك بعض منه ، وهو دال على جميع ما ختم به الآية السالفة من الحمد الذي هو الاتصاف بجميع صفات الكمال فقال عاطفاً على ما تقديره : فذلك من آيات الله الدالة على قدرته واختياره وإنه هو الذي يحيي هذا الوجود بالمعاني من روح الوحي وغيره تارة والأعيان من الماء وغيره أخرى : ( ومن آياته ( العظيمة على ذلك وعلى استحقاقه لجميع صفات الكمال ) خلق السماوات ( التي تعملون أنها متعددة بما ترون من أمور الكواكب ) والأرض ) أي جنسها على ما هما عليه من الهيئات وما اشتملا عليه من المنافع والخيرات ) وما بث ) أي فرق بالأبدان والقلوب على هذا المنوال الغريب من الحس والحركة بالاختيار مع التفاوت في الأشكال ، والقدور والهيئات والأخلاق وغير ذلك من النقص والكمال .
ولما كانت الأرض بناء والسماء سقفه ، فمن كان في أحدهما صح نسبته إلى أنه في كل منهما : الأسفل بالإقلال والأعلى بالإظلال قال تعالى : ( فيهما ) أي السماوات والأرض ولا سيما وقد جعل لكل منها تسبباً في ذلك بما أوعهما من الجواهر وأنشأ عنهما من العناصر .
ولما كانت الحياة التي هي سبب الانتشار والدب ربنا أورثت صاحبها كبراً وغلظاً في نفسه نظن أنه تام القدرة ، أنث تحقيراً لقدرته وتوهية لشأنه ورتبته فقلل ) من دابة ) أي شيء فيه أهلية الدبيب بالحياة من الإنس والجن وسائر الحيوانات على اختلاف أصنافهم وألوانهم وأشكالهم ولغاتهم وطباعهم وأنواعهم اقطارهم

الصفحة 630