كتاب نظم الدرر فى تناسب الآيات والسور - العلمية (اسم الجزء: 6)

صفحة رقم 633
عنه العقول ، فكان كل شيء دونه ، فكان قادراً على كل شيء قال : ( وما لكم ) أي عند الاجتماع فكيف عند الانفراد .
ولما كانت الرتب في غاية السفول عن رتبته والتضاؤل دون حضرته ، أثبت الجار منبهاً على ذلك فقال : ( من دون الله ) أي المحيط بكل شيء عظمة وكبراً وعزة ، وعم بقوله : ( من ولي ) أي يكون متولياً لشيء من أموركم بالاستقلال ) ولا نصير ( يدفع عنكم شيئاً يريده سبحانه بكم .
ولما دل سبحانه على تمام قدرته واختياره وختم بنفسي الشريك اللازم للوحدانية التي اعتقادها أساس الأعمال الصالحة ، دل عليها بأعظم الآيات عندهم وأوضحها في أنفسهم وأقربها إلى إفهامهم لما لهم من الإخلاص عندها فقال تعالى : ( ومن آياته ) أي الدالة على تمام قدرته واختياره ووحدانيته وعظيم سلطانه تسخيره وتذليله لسير الفلك فيه حاملة ما لا يحمله غيرها ، وهو معنى قوله : ( الجوار ) أي من السفن ، وهي من الصفات التي جرت مجرى الأعلام ، ودل على الموصوف ما بعده فلذلك حذف لأن القاعدة أن الصفة إذا لم تخص الموصوف امتنع حذفه فنقول : مررت بمهندس ، ولا تقول : مررت بماشٍ - إلا بقرينة كما هنا .
ولما كانت ثقيلة في أنفسها ، وكان يوضع فيها من الأحمال ما يثقل الجبال ، وكان كل ثقيل ليس له من ذاته إلا الغوص في الماء ، كانت كأنها فيه لا عليه لأنها جديرة بالغرق فقال تعالى محذراً من سطواته متعرفاً بجليل نعمته معرفاً بحقيقة الجواري : ( في البحر كالأعلام ) أي الجبال الشاهقة بما لها من العلو في نفسها عن الماء ثم بما يوصلها وما فيه من الشراع عليها من الارتفاع ، وقال الخليل : كل شيء مرتفع عند العرب فهو علم .
ولما كان كأنه قيل : وما تلك الآيات ؟ ذكر ما يخوفهم منها ويعرفهم أن جميع ما أباحهم إياه من شؤونها إنما هو بقدرته واختياره فقال : ( إن يشاء ) أي الله الذي حملكم فيها على ظهر الماء آية بينة سقط اعتبارها عندكم لشدة الفكر لها ) يسكن الريح ( التي يسيرها وأنتم مقرّون أن أمرها ليس إلا بيده ) فيظللن ) أي فتسبب عن ذلك أنهن يظللن أنيقمن ليلاً كان أول نهاراً ، ولعله عبر به مع أن أصله الإقامة نهاراً لأن النهار موضع الاقتدار على الأشياء وهو المنتظر عند كل متعسر للسعي في إزالة عسره وتيسر أمره ) رواكد ) أي ثوابت مستقرات من غير سير ) على ظهره ( ثباتاً ظاهراً بما دل عليه إثبات اللامين وفتح لامه الأولى للكل .

الصفحة 633