كتاب نظم الدرر فى تناسب الآيات والسور - العلمية (اسم الجزء: 6)
صفحة رقم 639
الكمال الاتحاد في الأفعال ، فقال معبراً بالاسمية حثاً على أن جعلوا ذلك لهم خلقاً ثابتاً لا ينفك : ( وأمرهم ) أي كل ما ينوبهم مما يحوجهم إلى تدبير ) شورى ) أي يتشاورون فيه مشاورة عظيمة مبالغين مما لهم من قوة الباطن وصفائه في الإخلاص والنصح ، من الشور وهو العرض والإظهار ) بينهم ) أي بحيث إنهم لا فرق في حال المشاورة بين كبير منهم وصغير بل كل منهم وصغير بل كل منها يصغي إلى الآخر وينظر في حصته وسقمه بتنزيله على أصول الشرع وفروعه ، فلا يستبدل أحد منهم برأي لدوام اتهامه لرأيه لتحققه نقصه بما له من غزارة العلم وصفاء الفهم ولا يعجلون في شيء بل صار التأبي لهم خلقاً ، وسوق المشورة هذا السياق دال على عظيم جدواها وجلالة نفعها قال الحسن رحمه الله : ما تساور قوم إلا هدوا لأرشد أمرهم - على أنه روى الطبراني في الصغير والأوسط لكن بسند ضعيف عن أنس رضي الله عنه أن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) قال : ( ما خاب من استخار ولا ندم من استشار ولا عال من اقتصد ) وروى في الأوسط عن ابن عباس رضي الله عنه أن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) قال : ( من أراد أمراً فشاور فيه أمرأ مسلماً وفقه الله لأرشد أمره ) .
ولما كانت المواساة بالأموال بعد الاتحاد في الأقوال والافتاق في الأفعال أعظم جامع على محاسن الخلال ، واظهر دال على ما ادعى من الاتحاد في الحال والمال قال مسهلاً عليهم أمرها بأنه لا مدخل لهم في الحقيقة في تحصيلها راضياً منهم باليسير منها : ( ومما ( ولفت القول إلى مظهر العظمة تذكيراً بما يتعارفونه بينهم من أنه لا مطمع في التقرب من العظماء إلا بالهدايا فقال : ( رزقناهم ) أي بعظمتنا من غير حول منهم ولا قوة ) ينفقون ) أي يديمون الإنفاق كرماً منهم وإن قل ما بأيديهم اعتماداً على فضل الله سبحانه وتعالى لا يقبضون أيديهم كالمنافقين ، وذلك الإنفاق على حسب ما حددناه لهم فواسوا بالمشورة في فضل عقولهم وبالإنفاق في فضل أموالهم تقوى منهم ومراقبة الله لا شهوة نفس .
ولما كان في العقوبة مصلحة ومفسدة فندب سبحانه غلى المغفرة تقديماً لدرء المفسدة لأن الإنسان لعدم علمه بالقلوب لا يصح له بوجه أن يعاقب بمجرد الغضب