كتاب نظم الدرر فى تناسب الآيات والسور - العلمية (اسم الجزء: 6)

صفحة رقم 642
إشارة إلى أن الفتنة إنما هي في إقرار الظلم لا في نصر المظلوم واحداً كان أو جماعة فقال : ( فأولئك ) أي المنتصرون لأجل دفع ظلم الظالم عنهم فقط ) ما عليهم ( وأكد بإثبات الجار فقال : ( من سبيل ) أي عقاب ولا عتاب ، وروى النسائي وابن ماجه عن عائشة رضي الله عنها قالت : ما علمت حتى دخلت عليَّ زينب رضي اله عنها بغير إذن وهي غضبى ثم أقبلت عليّ فأعرضت عنها حتى قال النبي ( صلى الله عليه وسلم ) : دونك فانتصري ، فأقبلت عليها حتى رأيتها قد يبس ريقها في فيها ما ترد عليّ شيئاً ، فرأيت النبي ( صلى الله عليه وسلم ) يتهلل وجه .
ولما نفى السبيل عنه بعد تشوف السامع إلى موضع ما أشعر به الكلام السابق من الظلم ، بين ذلك فقال : ( إنما السبيل ) أي الطريق السالك الي لا منع منه اصلاً بالحرج والعنت ) على ( وجمع إعلاماً بكثرة المفسدين تجرئة على الانتصار منهم وإن كانوا كثيراً فإن الله خاذلهم فقال : ( الذين يظلمون الناس ) أي يوقعون بهم ظلمهم تعمداً عدواناً ) ويبغون ) أي يتجاوزن الحدود ) في الأرض ( بما يفسدها بعد إصلاحها بتهيئتها للصلاح طبعاً وفعلاً وعلماً وعملاً .
ولما كان الفعل قد يكون بغياً وإن كان مصحوباً بحق كالانتصار المقترن بالتعدي فيه قال : ( بغير الحق ) أي الكامل ولما أثبت عليهم بهذا الكلام السبيل ، كان السامع جديراً بأن يسأل عنه فقال : ( أولئك ) أي البغضاء البعداء من الله ) لهم عذاب أليم ) أي مؤلم بما آلموا من ظلموه من عباد الله بحيث يعم إيلامه وأرواحهم بما لها من المشاعر الظاهرة والباطنة .
ولما أفهم سياق هذا الكلام وترتيبه هكذا أن التقدير : فلمن صبر عن الانتصار أحسن حالاً ممن انتصر ، لأن الخطأ في العفو أولى من الخطأ في الانتقام ، عطف عليه مؤكداً لما أفهمه السياق أيضاً من مدح المنتصر : ( ولمن صبر ( عن الانتصار من غير انتقام ولا شكوى ) وغفر ( فصرح بإسقاط العقاب والعتاب فمحا عين الذنب وأثره : ( إن ذلك ) أي ذلك الفعل الواقع منه البالغ في العلو جداً لا يوصف ) لمن عزم الأمور ) أي الأمور التي هي لما لها من الأهلية لأن يعزم عليها قد صارت في أنفسها كأنها دوات العزم أو متأهلة لأن تعزم على ما تريد ، والعزم : الإقدام على الأمر بعد الروية والفكرة ، قال أبو علي بن الفراء ؛ آيات العفو محمولة على الجاني النادم ، وآيات مدح الانتصار على المصر ، وذلك إنما يحمد مع القدرة على تمام النصرة كما قال يوسف

الصفحة 642