كتاب نظم الدرر فى تناسب الآيات والسور - العلمية (اسم الجزء: 6)

صفحة رقم 647
حكم له على الطباع وأن الذي عليه إنما هو الإسماع لا السماع ، فقال عاطفاً على ما قبل آية الشرع من قوله ) يبسط الرزق لمن يشاء ( حاكياً له في أسلوب العظمة تنبيهاً على أنه الذي حكم عليهم بالإعراض عما هو جدير بأن لا يعرض عنه عاقل ، وإيماء إلى أن الإنسان لغلبه جهله وقلة عقله يجترئ بأدنى تأنيس على من تجسد الجبال لعظمته وتندك الشوامخ من هيبته : ( وإنا إذا أذقنا ( بعظمتنا التي لا يمكن مخالفتها .
ولما كان من يفرح بالنعمة عند انفراده بها مذموماً ، عبر بالجنس الصالح للواحد فما فوقه تنبيهاً على أن طبع الإنسان عدم الاهتمام بشدائد الإخوان إلا من أقامه الله في مقام الإحسان فقال : ( الإنسان ) أي بما جبلناه عليه من النقص بالعجلة وعدم التمالك ) منا رحمة ) أي نوعاً من أنواع الإكرام من صحة أو غنى ونحو ذلك ، وأفرد الضمير إشارة إلى أنه مطبوع على أنه ليس عليه إلا من نفسه ولو كان أهل الأرض كلهم على غير ذلك ، وكذا عبر بالإنسان فقال : ( فرح بها ) أي ولو أن أهل الأرض كلهم على غير ذلك ، وكذا عبر بالإنسان فقال : ( فرح بها ) أي ولو أن أهل الأرض كلهم في نقمة وبؤس وعمى فأخرجه الفرح عن تأمل ما ينفعه ليشكر ، فكان ذلك لذلك كافراً للنعمة لأنه أبدل الشكر بالفرح والكفر فتوصل بالعافية إلى المخالفة ، فأوقع نفسه في أعظم البلاء .
ولما دل باداة التحقق على أن النعمة هي الاصل لعموم رحمته ، وأنها سبقت غضبه ، دل على أن السيئة قليلة بالنسبة إليها باداة الشك والمضارع فقال : ( وإن ( ولما كانت المشاركة في الشدائد تهون المصائب ، فكان من يزيد غمه بخصوص مصيبته عند العموم مذموماً ، نبه على نقص الإنسان بذلك بالجمع فقال : ( تصبهم سيئة ) أي نقمة وبلاء وشدة .
ولما كانت الرحمة فضلاً منه ، أعلمهم أن السيئة مسببة عنهم فقال : ( بما قدمت أيديهم ( وعبر باليد عن الجملة لأن اكثر العمل بها .
ولما كان الجواب على نهج الأول : حزنوا فكفروا ، وعدل عنه إلى ما يدل على أن جنس الإنسان موضع الكفران ، ولما كانوا يدعون الشكر وينكرون الكفر ، أكد قوله وسبب عن تلك الإصابة والإذاقة معاً إشارة إلى أنه لا اصل لغيرهما ، فقال مظهراً موصع الضمير لينص على الحكم على الجنس من حيث هو : ( فإن الإنسان ) أي الآنس بنفسه المعرض من غيره بما هو طبع له بسبب مسه بضر ) كفور ) أي يبلغ الستر للنعم نساء له ، ينسى بأول صدمة من النقمة جميع ما تقدم له من النعم ، ولا يعرف إلا الحالة الراهنة ، فإن كان في نعمه أشر وبطر ، وإن كان في نقمه أيس وقنط ، وهذا حال الجنس من حيث هو ، ومن وفقه الله جنبه ذلك كما قال ( صلى الله عليه وسلم ) : ( المؤمن إن أصابته سراء شكر فكان خيراً له وإن أصابته ضراء صبر فكان خيراً له ) .
وليس ذلك إلا المؤمن ، والآية من الاحتباك : قكر الفرح أولاً دالاً على الحزن ثانياً ، وذكر الكفران ثانياً دال على حذفه أولاً .

الصفحة 647