كتاب نظم الدرر فى تناسب الآيات والسور - العلمية (اسم الجزء: 6)

صفحة رقم 657
عليه قوله تعالى : ( وإنك لتهدي ) أي تبين وترسد ، وأكده لإنكارهم ذلك ) إلى صراط ) أي طريق واضح جداً ، وإن عانيت في البيان مشقة بنفسك وبالوسائط بما أفادته التعدية ب ( إلى ) فيفهم من ذلك أنه يهدي للصراط بدون ذلك من العناية لمن يسر الله أمره ويهدي الصراط لمن هو أعظم توفيقاً من ذلك ) مستقيم ) أي شديد التقوم لأنه كأنه يريد أن يقوم نفسه فهو بعد وجود تقومه حافظ لها من أدنى خلل ، وهو كل ما دعا إليه من خصال هذا الدين الحنيف الذي هو ملة إبراهيم عليه الصلاة والسلام ، ثم أبدل منه تعظيماً لشأنه قوله بدل كل معرفة من نكرة لافتاً القول من مظهر والنقمة ترغيباً وترهيباً : ( صراط الله ) أي الملك الأعظم الجامع لصفات الكمال ، ثم وصفه بأنه مالك لما افتتح هذا الكلام بأن له ملكه فقال : ( الذي له ( ملك ) ما في السماوات ) أي هو جميع السماوات التي هي في عرشه والأرض لأنها في السموات وما في ذلك من المعاني والأعيان ) وما في الأرض ( .
ولما أخبر سبحانه أنه المخترع لجميع الأشياء والمالك لعالمي الغيب والشهادة والخلق والأمر وأنه المتفرد بالعظمة كلها ، وكان مركوزاً في العقول مغروزاً في الفطر أن من ابتدأ شيئاً وليس له كفوء قادر على إعادته وأن يكون مرجع أمره كله إليه ، فلذلك كانت نتيجة جميع ما مضى على سبيل المناداة على المنكرين لذلك وعداً ووعيداً لأهل الطاعة والمعصية بناء على ما تقديره : كيف يكون له ما ذكر على سبيل الدوام ونحن نرى لغيره أشياء كثيرة تضاف إليه ويوقف تصريفها والتصرف فيها عليه : ( إلا إلى الله ) أي المحيط بجميع صفات الكمال الذي تعالى عن مثل أو مدان وهو الكبير المتعالي ، لا إلى أحد غيره ) تصبر ) أي على الدوام وإن كانت في الظاهر في ملك غيره بحيث يظن الجاهل أن ملكها مستقر له ، قال أبو حيان : أخبر بالمضارع والمراد به الديمومة كقوله : زيد يعطي ويمنع أي من شأنه ذلك ولا يراد به حقيقة المستقبل : ( الأمور ) أي كلها من الخلق والأمر معنىّ وحساً خفياً في الدنيا بما نصب من الحكام وجعل بين الناس من الأسباب ، وجلياً فيما وراءها حيث قطع ذلك جميعه وحده العزيز الحكيم العلي العظيم ، فقد رجع آخر السورة على اولها ، وانعطف مفصلها على موصلها ، واتصل من حيث كونه في الوحي الهادي في أول الزخرف على أتم عادة لهذا الكتاب المنير من اتصال الخواتم فيه بالبوادي والروائح بالغوادي - والله أعلم بالصواب .
.. . .

الصفحة 657