كتاب نظم الدرر فى تناسب الآيات والسور - العلمية (اسم الجزء: 6)

صفحة رقم 7
فتصير أسيرة الغفلة عن الذكر ، وقبيلة الإعراض عن الفكر ، وكان المخاطب بهذا الكتاب قوماً يدعون العقول الفائقة ، والأذهان الصافية الرائقة قال تعالى : ( ليضل ( من الضلال والإضلال على القراءتين ، ضد ما كان عليه المحسنون من الهدى ) عن سبيل الله ) أي الطريق الواضح الواسع الموصل إلى رضى الملك الأعلى المستجمع لصفات الكمال والجلال والجمال التي هم مقرّون بكثير منها ، منبهاً لهم على أن هذا مضل عن السبيل ولا بد ، وأن ذلك بحيث لا يخفى عليهم ، فإن كان مقصوداً لهم فهو ما لا يقصده من له عداد البشر ، وإلا كانوا من الغفلة سوء النظر وعمى البصيرة بمنزلة هي دون ذلك بمراحل .
ولما كان المراد : من قصد الضلال عن الشيء ، ترك ذلك الشيء ، وكان العاقل لا يقدم على ترك شيء إلا وهو عالم بأنه لا خير فيه قال : ( بغير علم ( ونكره ليفيد السلب العام لكل نوع من أنواع العلم ، أي لأنهم لا علم لهم بشيء من حال السبيل ولا حال غيرها ، علماً يستحق إطلاق العلم عليه بكونه يفيد ربحاً أو يبقى على رأس مال من دين أو دنيا ، فإن هذا حال من استبدل الباطل بالحق والضلال بالهدى .
ولما كان المستهزئ بالشيء المحتقر له لا يتمكن من ذلك إلا بعد الخبرة التامة بحال ذلك الشيء وأنه لا يصلح لصالحه ولا يروج له حال بحال قال معجباً تعجيباً آخر أشد من الأول بالنصب عطفاً على ( يضل ) في قراءة حمزة والكسائي وحفص عن عاصم ، وبالرفع للباقين عطفاً على ) يشتري ( : ( ويتخذها ) أي يكلف نفسه ضد ما تدعوه إليه فطرته الأولى أن يأخذ السبيل التي لا أشرف منها مع ما ثبت له من الجهل الطلق ) هزواً ( .
ولما أنتج له هذا الفعل الشقاء الدائم .
بينه بقوله ، جامعاً حملاً على معنى ( من ) بعد أن أفراد حملاً على لفظها ، لأن الجمع في مقام الجزاء أهول ، والتعجيب من الواحد أبلغ ) أولئك ) أي الأغبياء البعيدون عن رتبة الإنسان ، وتهكم بهم التعبير باللام الموضوعة لما يلائم فقال : ( لهم عذاب مهين ) أي يثبت لهم الخزي الدائم ضد ما كان للمحسنين من الرحمة .
ولما كان الإنسان قد يكون غافلاً ، فإذا انتبه ، دل سبحانه على أن هذا الإنسان المنهمك في أسباب الخسران لا يزداد على مر الزمان إلا مفاجأة لكل ما يرد عليه من البيان بالبغي والطغيان ، فقال مفرداً للضمير حملاً على اللفظ أيضاً لئلا يتعلق متمحل بأن المذموم إنما هو الجمع صارفاً الكلام إلى مظهر العظمة لما اقتضاه الحال من الترهيب : ( وإذا تتلى عليه آياتنا ) أي يتجدد عليه تلاوة ذلك مع ما له من العظمة من أيّ تال كان

الصفحة 7