كتاب نظم الدرر فى تناسب الآيات والسور - العلمية (اسم الجزء: 6)

صفحة رقم 8
وإن عظم ) ولى ) أي بعد السماع ، مطلق التولي سواء كان على حالة المجانية أو مدبراً ) مستكبراً ) أي حال كونه طالباً موجداً له بالإعراض عن الطاعة تصديقاً لقولنا آخر تلك
77 ( ) ولئن جئتهم بآية ليقولن الذين كفروا إن أنتم إلا مبطلون ( ) 7
[ الروم : 58 ] .
ولما كان السامع لآياته سبحانه جديراً بأن تكسبه رقة وتواضعاً ، قال تعالى دالاً على أن هذا الشقي كان حاله عند سماعه وبعده كما كان قبل : ( كأن ) أي كأنه ، أي مشبهاً حالة بعد السماع حاله حين ) لم يسمعها ( فدل ذلك على أنه لم يزل على حالة الكبر لآنه شبه حاله مع السماع بحاله مع عدم السماع ، وقد بين أن حاله مع السماع الاستكبار فكان حاله قبل السماع كذلك .
ولما كان من لم يسمع الشيء قد يكون قابلاً للسمع ، فإذا كلم من قد جرت العادة بأن يسمع منه سمع ، بين أن حال هذا كما كان مساوياً لما قبل التلاوة فهو مساو لما بعدها ، لأن سمعه مشابه لمن به صم ، فالمضارع في ( يتلى ) مفهم لأن الحال في الاستقبال كهي في الحال فقال تعالى : ( كأن في أذنيه وقراً ) أي صمماً يستوي معه تكليم غيره له وسكوته .
ولما تسبب عن ذلك استحقاقه لما يزيل نخوته وكبره وعظمته ، وكان استمرار الألم أعظم كاسرٍ لذوي الشمم ، وكان من طبع الإنسان الاهتزاز لوعد الإحسان كائناً من كان نوه اهتزاز قال : ( فبشره ( فلما كان جديراً بأن يقبل - لا يولي لظنه البشري - على مرة حتى يظن أو يكاد يقطع بأن المعاصي سبب لذلك وأنه - لما كان عند الله من عظيم المنزلة - لا يكره منه عمل من الأعمال ، قرعة بقوله : ( بعذاب ) أي عقاب مستمر ) أليم ( .
ولما كانت معرفة ما لأحد الجزءين باعثة على السؤال عما للحزب الآخر ، وكانت إجابة السؤال عن ذلك من أتم الحكمة ، استأنف تعالى قوله مؤكداً لأجل إنكار الكفرة : ( إن الذين آمنوا ( أو اوجدوا الإيمان ) وعملوا ) أي تصديقاً له ) الصالحات ( وضعاً للشيء في محله عملاً بالحكمة ) لهم جنات ) أي بساتين ) النعيم ( فأفاد سبحانه بإضافتها إليه أنه لا كدر فيها أصلاً ولا شيء غير النعيم .
ولما كان ذلك قد لا يكون دائماً .
وكان لا سرور بشيء منقطع قال : ( خالدين فيها ) أي دائماً .
ولما كانت الثقة بالوعد على قدر الثقة بالواعد ، وكان إنجاز الوعد من الحكمة ، قال مؤكدا لمضمون الوعد بالجنات : ( وعد الله ( الذي لا شيء أجل منه ؛ فلا وعد

الصفحة 8