كتاب المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم (اسم الجزء: 6)

أَمَرَنِي بِهِ نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ، فَخَرَجتُ حَتَّى أَمُرَّ عَلَى صِبيَانٍ وَهُم يَلعَبُونَ فِي السُّوقِ، فَإِذَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَد قَبَضَ بِقَفَايَ مِن وَرَائِي، قَالَ: فَنَظَرتُ إِلَيهِ وَهُوَ يَضحَكُ، فَقَالَ: يَا أُنَيسُ ذَهَبتَ حَيثُ أَمَرتُكَ؟ قَالَ قُلتُ: نَعَم أَنَا أَذهَبُ يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ أَنَسٌ: وَاللَّهِ لَقَد خَدَمتُهُ تِسعَ سِنِينَ مَا عَلِمتُهُ قَالَ لِشَيءٍ صَنَعتُهُ: لِمَ فَعَلتَ كَذَا وَكَذَا، أَو لِشَيءٍ تَرَكتُهُ: هَلَّا فَعَلتَ كَذَا وَكَذَا.
وفي رواية: قال أنس: خدمت رسول الله صلى الله عليه وسلم عشر سنين.
رواه مسلم (2309 و 2310) (54).
* * *
ـــــــــــــــــــــــــــــ
أنس في حال صغره، وعدم كمال تمييزه، إذ لا يصدر مثله ممن كمل تمييزه. وذلك: أنه حلف بالله على الامتناع من فعل ما أمره به رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ مشافهة، وهو عازمٌ على فعله، فجمع بين مخالفة رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وبين الإخبار بامتناعه، والحلف بالله على نفي ذلك مع العزم على أنه كان يفعله، وفيه ما فيه، ومع ذلك فلم يلتفت النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ لشيء من ذلك، ولا عرَّج عليه، ولا أدبه. بل داعبه، وأخذ بقفاه، وهو يضحك رفقًا به، واستلطافًا له، ثم قال: يا أنيس! اذهب حيث أمرتك، فقال له: أنا أذهب. وهذا كله مقتضى خلقه الكريم، وحلمه العظيم.
وقد اختلفت الروايات في خدمة أنس رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فقيل: عشر. وقيل: تسع، وذلك بحسب اختلافهم في سَنَةِ مقدم النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ المدينة. فقال الزهري: عن أنس ـ رضي الله عنه ـ قال: قدم رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ المدينة وأنا ابن عشر، وتوفي وأنا ابن عشرين سنة (¬1).
قلت: فعلى هذا خدمه عشر سنين، إن قلنا: أنه خدمه من أول مقدم النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ المدينة، ويحتمل أن تكون تأخرت خدمته عن ذلك سنة فتكون مدة
¬__________
(¬1) رواه الحاكم (3/ 573).

الصفحة 104