كتاب المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم (اسم الجزء: 6)
فَبَلَغَ ذَلِكَ نَاسًا مِن أَصحَابِهِ، فَكَأَنَّهُم كَرِهُوهُ وَتَنَزَّهُوا عَنهُ، فَبَلَغَهُ ذَلِكَ، فَقَامَ خَطِيبًا، فَقَالَ: مَا بَالُ رِجَالٍ بَلَغَهُم عَنِّي أَمرٌ تَرَخَّصتُ فِيهِ، فَكَرِهُوهُ وَتَنَزَّهُوا عَنهُ فَوَاللَّهِ لَأَنَا أَعلَمُهُم بِاللَّهِ، وَأَشَدُّهُم لَهُ خَشيَةً.
رواه مسلم (2356) (127).
* * *
ـــــــــــــــــــــــــــــ
النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ذلك، قال: وأما أنا فأصلي وأنام، وأصوم وأفطر، وأنكح النساء، فمن رغب عن سنتي فليس مني (¬1). وقد تقدَّم في النكاح.
و(قوله: ما بال رجال بلغهم عني أني ترخصت في أمر فكرهوه (¬2)، وتنزهوا عنه) هذا منه ـ صلى الله عليه وسلم ـ عدول عن مواجهة هؤلاء القوم بالعتاب، وكانوا معينين عنده، لكنه فعل ذلك لغلبة الحياء عليه، ولتلطُّفه في التأديب، ولسَتر المعاتب. وتنزه هؤلاء عما ترخص فيه النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ غلط أوقعهم فيه ظن أن المغفور له يسامح في بعض الأمور، ويسقط عنه بعض التكاليف، والأمر بالعكس لوجهين:
أحدهما: أن المغفور له يتعيَّن عليه وظيفة الشكر، كما قال ـ صلى الله عليه وسلم ـ: أفلا أكون عبدًا شكورًا (¬3).
وثانيهما: أن الأعلم بالله وبأحكامه: هو الأخشى له، كما قال ـ صلى الله عليه وسلم ـ: إني لأعلمكم بالله تعالى، وأشدكم له خشية وقال في موضع آخر: وأعلمكم بما أتقي الله.
ويُستفاد من هذا الحديث النهي عن التنطع في الدين، وعن الأخذ بالتشديد
¬__________
(¬1) سبق تخريجه.
(¬2) في التلخيص: عني أمر ترخصتُ فيه فكرهوه.
(¬3) رواه أحمد (4/ 255)، والبخاري (4836)، ومسلم (2819) (80)، والترمذي (412)، والنسائي (3/ 219)، وابن ماجه (1419).