كتاب المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم (اسم الجزء: 6)

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
سبعين، ولهذا لم يشترط في رواية السَّبعين في وصف الرائي ما اشترطه في وصفه في رواية: ستة وأربعين، فإنَّه شرط فيها الصَّلاح في الرائي، وسكت عن اشتراطه في رواية السبعين.
قلت: وهذا فيه بُعدٌ، لما قدَّمناه من صحَّة احتمال حمل مطلق الرِّوايات على مقيدها، وبما قد روي عن ابن عباس: الرؤيا الصالحة جزء من أربعين (¬1). وسكت فيه عن ذكر وصف الرائي. وكذلك حديث عبد الله بن عمرو حين ذكر سبعة وأربعين. وحديث العبَّاس حين ذكر خمسين.
الرابع: قيل: يحتمل أن تكون هذه التجزئة في طرق الوحي، إذ منه ما سُمِع من الله تعالى دون واسطة، كما قال: {مِن وَرَاءِ حِجَابٍ} ومنه بواسطة الملك، كما قال: {أَو يُرسِلَ رَسُولا} ومنه ما يُلقى في القلب، كما قال: {إِلا وَحيًا} أي: إلهامًا، ثمَّ منه ما يأتيه الملك على صورته، ومنه ما يأتيه على صورة آدمي يعرفه، ومنه ما يتلقاه منه وهو لا يعرفه، ومنه ما يأتيه في مثل صلصلة الجرس، ومنه ما يسمعه من الملك قولًا مُفصَّلًا، إلى غير ذلك من الأحوال التي كانت تختلف على النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ في الوحي وحالاته المختلفة، فتكون تلك الحالات إذا عُدِّدت غايتها انتهت إلى سبعين.
قلت: ولا يخفى ما في هذا الوجه من البُعد والتساهل، فإنَّ تلك الأعداد كلها إنما هي أجزاء النبوَّة، وأكثر هذه الأحوال التي ذكرت هنا ليست من النبوة في شيء لكونه يعرف الملك، أو لا يعرفه، أو يأتيه على صورته، أو على غير صورته، ثمَّ مع هذا التكلف العظيم لم يقدر أن يبلغ عدد ما ذكر إلى ثلاثين (¬2).
¬__________
(¬1) سبق تخريجه (ص 12).
(¬2) قراءة ابن كثير وحفص: {رسالته} وما أورده المؤلف هو قراءة الباقين.

الصفحة 16