كتاب المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم (اسم الجزء: 6)
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: لَم أَرَ كَاليَومِ قَطُّ فِي الخَيرِ وَالشَّرِّ إِنِّي صُوِّرَت لِي الجَنَّةُ وَالنَّارُ فَرَأَيتُهُمَا دُونَ هَذَا الحَائِطِ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
سكن غضب رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ (¬1). ثم أخذ يُحدِّثهم بما أطلعه الله عليه من أمور الآخرة، فقال: لم أر كاليوم قطّ في الخير والشر، هذا الكلام محمول على الحقيقة لا التوسع والمجاز فإنَّه: لا خير مثل خير الجنَّة، ولا شرَّ مثل شرِّ النار. وقط: هي الظرفية الزمانية، وروينا هاهنا مفتوحة القاف، مضمومة الطاء مشدَّدة، وهي إحدى لغاتها، وتقال بالتخفيف، وتقال: بضم القاف على إتباع حركتها لحركة الطاء، وذلك مع التشديد والتخفيف، فأمَّا قط بمعنى حسب فبتخفيف الطاء وسكونها، وقد تزاد عليها نون بعدها. فيقال: قطني، وقد تحذف النون فيقال: قطي، وقد تحذف الياء، فيقال: قط، بكسر الطاء، وقد يبدل من الطاء دال مهملة، فيقال: قد، ويقال على تلك الأوجه كلها، كله من الصحاح.
و(قوله: إني صوِّرت لي الجنة والنار فرأيتهما دون هذا الحائط) وفي البخاري: لقد عرضت علي الجنة والنار آنفا في عرض هذا الحائط، وفي البخاري في هذا الحديث: لقد رأيت الآن - منذ صليت بكم الصلاة - الجنة والنار ممتثلتين في قبلة هذا الجدار ظاهر هذه الروايات - وإن اختلفت ألفاظها -: أنه صلى الله عليه وسلم رأى مثال الجنة والنار في الجدار الذي استقبله مصوَّرتين فيه، وهذا لا إحالة فيه، كما تتمثل المرئيات في الأجسام الصقلية. يبقى أن يقال: فالحائط ليس بصقيل. ويجاب: بأن اشتراط الصقالة في ذلك: ليس بشرط عقلي، بل: عادي، وذلك محل خرق العادة ووقتها، فيجوز أن يمثلها الله فيما ليس بصقيل (¬2)، هذا
¬__________
(¬1) لم نجد هذه الرواية في صحيح البخاري ولا مسلم ولا عند أحمد، بل هي عند أبي داود في سننه (2425) في سياقٍ غير هذا.
(¬2) في هذا إشارة إلى أنَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رأى مثال الجنة والنار على الحائط، كما يرى الناسُ في هذا العصر من الصور المتحركة على الشاشات الصغيرة والكبيرة.