كتاب المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم (اسم الجزء: 6)

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
قلت: وأشبه ما ذكر في ذلك: الوجه الثاني، مع أنَّه لم تَثلَجُ النفسُ به، ولا طاب لها. وقد ظهر لي وجه خامس - وأنا أستخير الله في ذكره - وهو: أن النبوَّة معناها: أن يُطلع الله من يشاء من خلقه على ما يشاء من أحكامه ووحيه: إما بالمشافهة، وإما بواسطة ملك، أو بإلقاء في القلب، لكن هذا المعنى المسمَّى بالنبوَّة لا يخص الله به إلا من خصَّه بصفات كمال نوعه من المعارف، والعلوم، والفضائل، والآداب، ونزهه عن نقائص ذلك. ولذلك قال سبحانه: {اللَّهُ يَصطَفِي مِنَ المَلائِكَةِ رُسُلا وَمِنَ النَّاسِ} وقال: {اللَّهُ أَعلَمُ حَيثُ يَجعَلُ رِسَالَتَهُ (¬1)}، وقال تعالى لما ذكر الأنبياء: {أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقتَدِهِ} وقال: {كُلا هَدَينَا} وقال لنبيِّه ـ صلى الله عليه وسلم ـ: {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ} فقد حصل من هذا: أن النبوَّة لم يخص الله بها إلا أكمل خلقه، وأبعدهم عن النقائص. ثم: إنه لما شرفهم بالنبوَّة حصلت لهم بذلك على جميع نوعهم الخصوصية، فلما كانت النبوَّة لا يخص الله بها إلا من حصلت له خصال الكمال أطلق على تلك الخصال: نبوة، كما قال ـ صلى الله عليه وسلم ـ: التؤدة والاقتصاد، والسَّمت الحسن جزء من النبوة (¬2)، أي: من خصال الأنبياء، لكن الأنبياء في هذه الخصال متفاضلون، كما قال تعالى: {وَلَقَد فَضَّلنَا بَعضَ النَّبِيِّينَ عَلَى بَعضٍ} وقال: {تِلكَ الرُّسُلُ فَضَّلنَا بَعضَهُم عَلَى بَعضٍ} فتفاضلهم بحسب ما وهب لكل واحد منهم من تلك الصفات، وشرَّف به من تلك الحالات، وكل منهم الصدق أعظم صفته في نومه ويقظته، وكانوا تنام أعينهم، ولا تنام قلوبهم، فنائمهم يقظان، ووحيهم في النوم واليقظة سيَّان، فمن ناسبَهُم في الصِّدق حصل من رؤياه على الحق، غير أنه لما
¬__________
(¬1) قرأ ابن كثير وحفص {رسالتَه}، وقرأ الباقون: {رسالاتِه}.
(¬2) سبق تخريجه (ص 15).

الصفحة 17