كتاب المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم (اسم الجزء: 6)

وَكُونُوا عِبَادَ اللَّهِ إِخوَانًا، المُسلِمُ أَخُو المُسلِمِ لَا يَظلِمُهُ، وَلَا يَخذُلُهُ، وَلَا يَحقِرُهُ، التَّقوَى هَاهُنَا - وَيُشِيرُ إِلَى صَدرِهِ ثَلَاثَ مَرَّار -
ـــــــــــــــــــــــــــــ
ذكره في البيوع. وفيه بعد، لأنَّ صيغة (تفاعل) أصلها لا تكون إلا من اثنين، فـ (تناجش) لا يكون من واحد، و (النجش) يكون من واحد، فافترقا وإن كان أصلهما واحدا، لأنَّ أصل النجش: الاستخراج والإثارة. تقول: نجشت الصيد، أنجشه، نجشا: إذا استثرته من مكانه. وقيل: لا تناجشوا: لا ينافر بعضكم بعضا. أي: لا يعامله من القول بما ينفره، كما ينفر الصيد، بل يسكنه ويؤنسه، كما قال: سكنا، ولا تنفرا (¬1) وهذا أحسن من الأول، وأولى بمساق الحديث. والله تعالى أعلم.
و(قوله: المسلم أخو المسلم، لا يظلمه، ولا يخذله، ولا يحقره). (يظلمه): ينقصه حقه، أو يمنعه إياه. و (يخذله): يتركه لمن يظلمه، ولا ينصره. وقد قال صلى الله عليه وسلم: انصر أخاك ظالما أو مظلوما فقال: كيف أنصره ظالما؟ قال: تكفه عن الظلم فذلك نصره (¬2). و (يحقره): ينظره بعين الاستصغار والقلة. وهذا إنما يصدر في الغالب عمن غلب عليه الكبر والجهل، وذلك: أنه لا يصح له استصغار غيره حتى ينظر إلى نفسه بعين: أنه أكبر منه وأعظم، وذلك جهل بنفسه، وبحال المحتقر، فقد يكون فيه ما يقتضي عكس ما وقع للمتكبر.
و(قوله: التقوى هاهنا -ويشير بيده إلى صدره -) وقد تقدَّم: أن التقوى مصدر (اتقى): تقاة، وتقوى. وأن التاء فيه بدل من الواو، لأنَّه من الوقاية. والمتقي: هو الذي يجعل بينه وبين ما يخافه من المكروه وقاية تقيه منه، ولذلك يقال: اتقى الطعنة بدرقته وبترسه. ومنه قوله صلى الله عليه وسلم: اتقوا النار ولو بشق تمرة، ولو
¬__________
(¬1) رواه أحمد (3/ 131)، والبخاري (6125) بلفظ: "سكِّنوا ولا تُنفِّروا".
(¬2) رواه أحمد (3/ 201)، والبخاري (2443 و 2444)، والترمذي (2255).

الصفحة 536