كتاب المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم (اسم الجزء: 6)
اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعلَمُ قَالَ: ذِكرُكَ أَخَاكَ بِمَا يَكرَهُ، قِيلَ: أَفَرَأَيتَ إِن كَانَ فِي
ـــــــــــــــــــــــــــــ
الغيبة، ولا يبعد أن يكون ذلك بعد نزول قوله تعالى: {وَلا يَغتَب بَعضُكُم بَعضًا} ففسر النبي صلى الله عليه وسلم هذه الغيبة المنهي عنها. ووزنها فعلة، وهي مأخوذة من الغيبة - بفتح الغين - مصدر غاب، لأنَّها ذكر الرجل في حال غيبته بما يكرهه لو سمعه. يقال من ذلك المعنى: اغتاب فلان فلانا، يغتابه اغتيابا، واسم ذلك المعنى: الغيبة، ولا شك في أنها محرمة وكبيرة من الكبائر، بالكتاب والسنة، فالكتاب: قوله تعالى: {وَلا يَغتَب بَعضُكُم بَعضًا} الآية، وأما السنة فكثيرة، من أنصها ما خرجه أبو داود عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن من الكبائر استطالة المرء في عرض رجل مسلم (¬1)، وفي كتابه من حديث أنس عنه صلى الله عليه وسلم، قال: مررت ليلة أسري بي بقوم لهم أظفار من نحاس يخمشون وجوههم وصدورهم، فقلت: من هؤلاء يا جبريل؟ قال: هؤلاء الذين يأكلون لحوم الناس، ويقعون في أعراضهم (¬2).
وإذا تقررت حقيقة الغيبة وأن أصلها على التحريم، فاعلم أنها قد تخرج عن ذلك الأصل صور، فتجوز الغيبة في بعضها، وتجب في بعضها، ويندب إليها في بعضها: فالأولى كغيبة المعلن بالفسق المعروف به، فيجوز ذكره بفسقه لا بغيره، مما يكون مشهورا به، لقوله صلى الله عليه وسلم: بئس أخو العشيرة كما يأتي، وقوله صلى الله عليه وسلم: لا غيبة في فاسق (¬3)، ولقوله: لي الواجد يحل عرضه وعقوبته (¬4). والثاني:
¬__________
(¬1) رواه أبو داود (4877).
(¬2) رواه أبو داود (4878) بلفظ: "ليلة عُرج بي. . .".
(¬3) ذكره العجلوني في كشف الخفاء (2/ 366) وقال في الدرر: له طرق كثيرة. قال أحمد: منكر. وقال الحاكم والدارقطني والخطيب: باطل.
(¬4) رواه أحمد (4/ 222)، والنسائي (7/ 316)، وابن ماجه (2427)، وابن حبان (5089) الإحسان.