كتاب المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم (اسم الجزء: 6)

وفي رواية: وَقَالَ اللَّهُ: {حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَن قُلُوبِهِم قَالُوا مَاذَا قَالَ رَبُّكُم قَالُوا الحَقَّ}
رواه مسلم (2229) (124).
* * *
ـــــــــــــــــــــــــــــ
ورواه يونس يُرَقَّون بضم الياء وفتح الراء وتشديد القاف، وفي بعض النسخ يَرقُون بفتح الياء وتسكين الراء وتخفيف القاف؛ أي يتقوَّلون، يقال: رقي فلان على الباطل؛ أي: تقوَّله - بكسر القاف، وهو من الرقي وهو الصعود؛ أي: إنهم يقولون فوق ما سمعوا - قاله القاضي عياض.
وقوله: {حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَن قُلُوبِهِم قَالُوا مَاذَا قَالَ رَبُّكُم قَالُوا الحَقَّ}، قرأه ابن عامر ويعقوب فَزَّعَ عَن قُلُوبِهِم مبنيًا للفاعل، ويكون فيه ضمير يعود على الله تعالى؛ أي: أزال عن قلوبهم الفزع، وهذا على نحو قولهم: مرَّضتُ المريض - إذا عالجته فأزلتُ مرضه. وقرأه الجماعة فُزِّعَ بضم الفاء مبنيًا للمفعول الذي لم يسم فاعله؛ أي: أزيل عن قلوبهم الفزع، وهو الذعر على كلتا القراءتين.
قال كعب (¬1): إذا تكلَّم الله بلا كيف ضربت الملائكة بأجنحتها وخرَّت فزعًا، ثم قالوا فيما بينهم: {مَاذَا قَالَ رَبُّكُم}؟
وقوله: {قَالُوا الحَقَّ} بالنصب على أنه نعت لمصدر محذوف؛ أي: قال القول الحق، وهو مفعول مطلق لا مفعول به؛ لأنَّ القول لا يتعدَّى إلا إلى الجمل في أكثر قول النحويين.
وقوله: {وَهُوَ العَلِيُّ الكَبِيرُ}؛ أي: العلي شأنه، الكبير سلطانه.
قلت: وهذا التفسير هو الموافق لهذا الحديث، فتعيَّن أن يكون هو المراد من الآية، وللمفسرين أقوال أخر بعيدة عن معنى الحديث أضربت عنها لذلك، فمن أرادها وجدها في كتبهم.
* * *
¬__________
(¬1) في النسخ: (ثعلب) والمثبت من (ج 2).
وفي رواية: لم يبلغوا الحنث إلا تحلة القسم.
رواه أحمد (2/ 239)، والبخاري (1251)، ومسلم (2632) (150) و (2634)، والترمذيّ (1060)، والنسائي (4/ 25)، وابن ماجه (1603).
ـــــــــــــــــــــــــــــ
والله تعالى أعلم.
وقد استشكل بعض الناس قوله صلى الله عليه وسلم: لا يموت لإحداكن ثلاثة من الولد إلا كانوا لها حجابا من النار. ثم لما سئل عن اثنين، قال: واثنين. ووجهه: أنه إذا كان حكم الاثنين حكم الثلاثة، فلا فائدة لذكر الثلاثة أولا، وهذا إنما يصدر عمن يعتقد أن دلالة المفهوم نص كدلالة المنطوق (*)، وليس الأمر كذلك، بل هي عند القائلين بها من أضعف جهات دلالات الألفاظ، وسائر وجوه الدلالات مرجحة عليها، كما بيناه في الأصول، هذا إن قلنا: إن أسماء الأعداد لها مفهوم؛ فإنَّه قد اختلف في ذلك القائلون بالمفهوم، وألحقوا هذا النوع باللقب الذي لا مفهوم له باتفاق المحققين، ثم إن الرافع لهذا الإشكال أن يقال: إن الثواب على الأعمال إنما يُعلم بالوحي، فيكون الله تعالى قد أوحى إلى نبيه بذلك في الثلاثة، ثم إنه لما سئل عن الاثنين أوحى الله إليه في الاثنين بمثل ما أوحى إليه بالثلاثة، ولو سئل عن الواحد لأجاب بمثل ذلك كما قد دلت عليه الأحاديث المذكورة في ذلك، ويحتمل أن يقال: إن ذلك بحسب شدة وجد الوالدة، وقوة صبرها، فقد لا يبعد أن تكون من فقدت واحدا أو اثنين أشد ممن فقدت ثلاثة أو مساوية لها، فتلحق بها في درجتها، والله تعالى أعلم.
و(قوله: إلا تحلة القسم) أي: ما يحلل به القسم، وهو اليمين. وقد اختلف في هذا القسم، هل هو قسم معين، أم لا؟ فالجمهور على أنه قسم بعينه، فمنهم من قال: هو قوله تعالى: {فَوَرَبِّكَ لَنَحشُرَنَّهُم وَالشَّيَاطِينَ} وقيل: هو قوله: {وَإِن مِنكُم إِلا وَارِدُهَا} وقيل: هو قوله: {كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتمًا مَقضِيًّا}، أي: قسما واجبا؛ كذلك فسره ابن مسعود
__________
(*) قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة: في النسخة المصورة [المنظوم]، وصححت بخط اليد فوقها إلى [المنطوق]

الصفحة 639