كتاب الفقه المنهجي على مذهب الإمام الشافعي (اسم الجزء: 6)

فإذا صار الناس في حاجة شديدة إلى هذه الأقوات، أو ضرورة، أُجبر المحتكر على بيعها بالسعر المناسب، فإن أبى باعها القاضي عليه وأدى له ثمنها.
وهذا ينبغي أن يعلم أن شراء مثل هذه البضائع في المواسم وحال توفرها في الأسواق، من أجل ادّخارها لتباع وقت الحاجة إليها، كما يفعل الكثيرون من التجّار حين يشترون الجبن مثلاً، وكما تفعل المعامل حين تُصَنِّع بعض الأغذية وتحفظها من الفساد، لينتفع الناس بها حين عدم توفرها، كل ذلك ليس باحتكار، وإنما هو تجارة مشروعة وعمل نافع، وقد يكون في ذلك خير العباد والبلاد، ويؤجر هؤلاء الذين يحفظون الفائض عن الحاجة في موسمه ليتوفر في أوقات أخرى، لا سيما لأولئك الناس الذين قد لا يتمكنون من ادّخار الأقوات، وما يسمى (المونة) في بعض البلدان اليوم.
6 - البيع على بيع أخيه أو السوم على سومه:
أما البيع: فهو أن يجئ إلى من اشترى شيئاً وهو مدة الخيار فيقول له: أنا أبيعك أجود مما اشتريت بنفس الثمن، أو أبيعك مثله بأقل من هذا الثمن.
وأما السَّوْم: فأن يكون رجل يسوم سلعة، وربما اتفق مع صاحبها على ثمن، فيأتي آخر ويعرض على صاحب السلعة ثمناً أكبر ليبيعها له. أو أن يعرض على المشتري سلعة مثلها بثمن أقل، أو أنفس منها بنفس الثمن.
فكل ذلك حرام، لما رواه أبو هريرة وابن عمر رضي الله عنهما من قوله - صلى الله عليه وسلم -: " لا بيع الرجُلُ على بيع أخيه ". وقوله: " لا يَسُم المسلمُ على سَوْمِ أخيه " (البخاري: البيوع، باب: لا يبيع على بيع أخيه ... ، رقم: 2023. ومسلم: البيوع، باب: تحريم بيع الرجل على بيع أخيه .. ، رقم: 1515).
والحكمة من تحريم هذه الأمور: ما فيها من إخلال بالمروءة، وإيغار للصدور، وزرع للبغضاء وإثارة للنزاع والشحناء، وإفساد للمجتمعات بقطع الصلات وإلقاء العداوة بين الناس، مما يتنافى مع حرص الإسلام على تآلف المجتمعات، وتمتين الروابط بين الناس وتحسين الصلات.

الصفحة 43