كتاب الفقه المنهجي على مذهب الإمام الشافعي (اسم الجزء: 6)

وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس {فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ فَأْذَنُواْ بِحَرْبٍ مِّنَ اللهِ وَرَسُولِهِ}: فمن كان مقيماً على الربا لا ينزع فحقُ على إمام المسلمين أن يستتيبه، فإن نزع وإلا ضرب عنقه.
وقال قتادة: أوعدهم الله بالقتل كما تسمعون، وجعلهم بهرجاً (¬1) أينما أتوا، فإياكم وما خالط هذه البيوع من الربا، فإن الله قد أوسع الحلال وأطابه، فلا تلجئنكم إلى معصيته فاقة. رواه ابن أبي حاتم.
وقال الربيع بن أنس: أوعد الله آكل الربا بالقتل. رواه ابن جرير انتهى كلام ابن كثير.
وهذا الذي ذكره هذا الحافظ الجليل رحمه الله تعالى محل اتفاق المفسرين فيما اشتمل عليه من المعاني عن السلف رضوان الله عنهم أجمعين، وهو واضح في فهم هذه الأُمة تحريم قليل الربا وكثيره من الآية منذ عصر النبوّة جيلاً بعد جيل وعصراً بعد عصر، فهماً يقيناً لا يتطرق إليه احتمال، وأن ذلك هو معناها عند المسلمين، ومنذ عصر النبوّة جيلاً بعد جيل وعصراً بعد عصر.
والآية ناطقة بذلك نطقاً قاطعاً حاسماً يفهمه كلُّ من له سمع يدرك وعقل يعي، فقد نادى القرآن داعية الامتثال، ومهد بالأمر بالتقوى ثم قال {َذَرُواْ مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا} وكلمة {ما} هذه عند مَن يفهم اللغة العربية تشمل كل ربا مهما كان قليلاً، ولو كان درهماً لمليون درهم. وكذلك يعلم أهل لغة القرآن أن قوله تعالى {فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ} لم يبح شيئاً زائداً عن رأسمال الدائن مهما كان قليلاً، لأنه لم يجعل له شيئاً سوى رأسماله. هذا وقد زاد النص القرآني هذا المعنى تقريراً وتأكيداً فقال: {لاَ تَظْلِمُونَ وَلاَ تُظْلَمُونَ} قال المفسرون: لا تظلمون بأخذ زيادة على رأس المال، ولا تُظلمون بنقص شيء من رؤوس الأموال، بل لكم ما دفعتم من غير زيادة عليه ولا نقص منه.
ولقد انطوت الآية على مواعظ في ترك الربا تلين لها الصم الصِّلاب، فوجهت الخطاب بـ {يا أيها الذين آمنوا} ثم بقوله {اتقوا الله} ثم بقوله {إن
¬_________
(¬1) - البهرج: الرديء من الشيء، والباطل المزيف، والمباح غير المحمي.

الصفحة 85