كتاب التذكرة الحمدونية (اسم الجزء: 6)

[114]- ومن المعمّرين عبد المسيح بن بقيلة الغسّاني، وبقيلة اسمه ثعلبة، وقيل: الحارث، وإنما سمّي بقيلة لأنه خرج على قومه في بردين أخضرين، فقالوا له: ما أنت إلا بقيلة فسمّي بذلك. وذكر ابن الكلبي وأبو مخنف وغيرهما أنه عاش ثلاثمائة وخمسين سنة، وأدرك الإسلام ولم يسلم وكان نصرانيّا.
وروي أن خالد بن الوليد لما نزل الحيرة وتحصّن أهلها منه، أرسل إليهم: ابعثوا لي رجلا من عقلائكم وذوي أسنانكم، فبعثوا إليه عبد المسيح بن بقيلة، فأقبل يمشي حتى دنا من خالد، فقال: أنعم صباحا أيها الشيخ، قال: قد أغنانا الله عن تحيتك هذه، فمن أين أقصى أثرك أيها الشيخ؟ قال: من ظهر أبي، قال:
فمن أين خرجت؟ قال: من بطن أمي، قال: فعلام أنت؟ قال: على الأرض، قال: ففيم أنت؟ قال: في ثيابي، قال: أتعقل لا عقلت؟ قال: أي والله وأقيّد، قال: ابن كم أنت؟ قال: ابن رجل واحد، قال خالد: ما رأيت كاليوم قط، إني أسأله عن الشيء وينحو بي في غيره، قال: ما أنبأتك إلا عمّا سألت، فسل ما بدا لك، قال: أعرب أنتم أم نبط؟ قال: عرب استنبطنا، ونبط استعربنا، قال:
فحرب أنتم أم سلم؟ قال: بل سلم، قال: فما هذه الحصون؟ قال: بنيناها لسفيه نحذر منه حتى يجيء الحليم ينهاه، قال: كم أتى لك؟ قال: خمسون وثلاثمائة سنة، قال: فما أدركت؟ قال: أدركت سفن البحر ترقى إلينا في هذا الجرف، ورأيت المرأة من أهل الحيرة مكتلها على رأسها، لا تزوّد إلا رغيفا واحدا حتى ترد الشام، ثم قد أصبحت اليوم خرابا، وذلك دأب الله تعالى في العباد والبلاد. قال: وبيده سم ساعة يقلبه في كفه، فقال له خالد: ما هذا في كفك؟ قال: السمّ، قال: وما تصنع به؟ قال: إن كان عندك ما يوافق قومي وأهل بلدي حمدت الله تعالى وقبلته، وإن كانت الأخرى لم أكن أوّل من ساق إليهم ذلّا، أشربه وأستريح من الحياة، فإن ما بقي من عمري ليسير، قال خالد:
__________
[114] خبر عبد المسيح في أمالي المرتضى 1: 260 وتاريخ الطبري 1: 981- 984.

الصفحة 39