كتاب تفسير الماتريدي = تأويلات أهل السنة (اسم الجزء: 6)

والأزمنة، لا يعرف بها الشهور والسنون إلا بعد جهد؛ وبالقمر لا تعرف أوقات الصلوات والأزمنة، جعل اللَّه تعالى في الشمس منفعتين: منفعة التقلب ومعرفة الأزمنة، ومعرفة نضج الأشياء وينعها، وفي القمر منفعتين أيضًا: أحدهما: معرفة حساب الأيام والشهور والسنين، ومعرفة نضج الإنزال والأشياء.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ) ليس أن يعرف هذا بهما ولا يعرف غيره، بل يعرف ما ذكر وأشياء كثيرة.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (مَا خَلَقَ اللَّهُ ذَلِكَ إِلَّا بِالْحَقِّ).
قال أبو بكر الأصم والكيساني: (مَا خَلَقَ اللَّهُ ذَلِكَ إِلَّا بِالْحَقِّ)، أي: ما خلق اللَّه ذلك إلا وقد جعل فيه دلالة معرفته. وقال قائلون: (مَا خَلَقَ اللَّهُ ذَلِكَ إِلَّا بِالْحَقِّ)، أي: ما خلق اللَّه ذلك إلا وقد جعل فيه دلالة معرفة الشهادة له على الخلق، وهي شهادة الوحدانية والألوهية.
وقَالَ بَعْضُهُمْ: ما خلق اللَّه ذلك إلا بالأمر الكائن لا محالة وهو البعث.
ويحتمل قوله: (مَا خَلَقَ اللَّهُ ذَلِكَ إِلَّا بِالْحَقِّ) أي: بالحكمة، لم يخلق ذلك عبثًا باطلا؛ وهو كقوله: (وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلًا)، ولكن بحكمة.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (يُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ).
قيل: نبين أو نصرفها لقوم ينتفعون بعلمهم، إنما ذكر الآيات فيما ذكر لقوم يعقلون ولقوم يتفكرون ولقوم يفقهون الآيات التي ينتفعون بها ويعقلون الشيء، إنما يكون للشيء الذي ينتفع به لا للذي لا ينتفع به.

وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (إِنَّ فِي اخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَمَا خَلَقَ اللَّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَّقُونَ (6)
إن في اختلاف الليل والنهار آية البعث ودلالة تدبير صانعهما، أما دلالة البعث فهي أن كل واحد منهما إذا جاء ذهب الآخر وفني حتى لا يبقى له الأثر، ثم يتجددان ويحدثان على ذلك أمرهما، ويتلف كل واحد منهما صاحبه حتى لا يبقى له الأثر، فمن قدر على ما ذكرنا قدر على بعثهم وإنشائهم بعد الموت بعدما صاروا ترابًا، وأما دلالة التدبير فهو جريانهما وسيرهما على سنن واحد وتقدير واحد من غير تغيير يقع فيهما أو تفاوت أو

الصفحة 11