كتاب قلائد الجمان في فرائد شعراء هذا الزمان (اسم الجزء: 6)
كان مقامه بالموصل، يتردد إلى فضلائها، ويختلف إلى أدبائها لطلب الإفادات.
/80 ب/ وكان يحفظ مقطعات من الشعر، ويذاكر بها ويشعر، وله طبع يساعده في المنظوم، ومدح جماعة من أهل الموصل. وكان يخلط في شعره ألفاظاً عاميّة، ويستعملها كثيراً في أثناء كلامه؛ فتأتي لائقة في مواضعها، وربّما تكلّف لنفسه يداعب رجلاً يعرف بالحكيم الفقاعي، يبيع الفقاء. وكان يتدين، وإذا سمع موعظةً بكى وتواجد، ويظهر خوفاً وخشية من الله – عز وجل – رحمه الله تعالى: [من المنسرح]
لم يبك هذا الحكيم مستمعاً ... إلا أقمنا له معاذيرا
لأنَّه من كرام معشره ... حاز التُّقى والسَّداد والخيرا
ما فيه من خصلة يعاب بها ... وعرضة لن يزال مستورا
قالوا: نراه يبكي إذا عرضت ... موعظةٌ ما تظنُّه زورا
فقلت: هذا البكاء متفقٌ ... عليه قد قدَّروه تقديرا
يبكي فلوس الفقَّاع منتحباً ... إذ لم تكن كلُّها دنانيرا
وأنشدني أيضاً لنفسه، في رجل يلقب بزنباط، وكان من أخل الخير /80 أ/ والديانة. وكان يكثر الصياح في الصلاة تواجداً. وكان من أبغض الناس صياحاً، وربما كان في الصلاة، فيقرأ الإمام آيةً من القرآن، فيزعق زعقات متوالية، فيشوش على الناس صلاتهم لكثرة صياحه، ومقت صوته. وكان الحكيم الفقاعي – رحمهما الله تعالى – يحتذي بحذوه في التواجد: [من المنسرح]
كم صاح زنباط في الصلاة وكم ... خر صريعاً ما بين صفَّين
واليوم قد أصبح الحكيم لنا ... يحطُّه في السَّماع رخَّين
وأنشدني أيضاً لنفسه في زنباط – رحمه الله تعالى -: [من البسيط]
وقفت يوماً أصلِّي والصَّلاة بها ... يمحِّص الله ذنب المجرم الخاطي
ثم انثنيت إلى الصف الأخير على ... أن ليس ذلك من عزمي وأشراطي
فقيل أول صفٍّ لم تركت وقد ... علمت فيه ثواباً غير منحاط
فقلت زنباط فيه وهو مستمعٌ ... وإنني أتخشى صوت زنباط
وأنشدني قوله من أبيات، يرثي بها طير حمام، ويستعير لها ألفاظاً، /81 ب/ من