كتاب قلائد الجمان في فرائد شعراء هذا الزمان (اسم الجزء: 6)
ترك الخضاب، ولم يستعمله؛ كان أبوه من أهل هيت.
وأبو علي ولد بالموصل سنة ثماني وسبعين وخمسائة. وكانت صنعته في ابتداء أمره الحياكة، ثم مال إلى الشعر، وأحبّه من صغره، وصحب أدباء وقته من أهل الموصل، وامتدح بها جماعة.
نزل إربل، وأقام بها برهة /89 ب/ من الزمان يتكسّب بشعره الوزراء والأمراء؛ ولما رأى من لؤم أهل هذا الزمان، ورفضهم الفضائل والآداب، وتقاعسهم عن المكرمات، وكساد سوق القريض، غسل ديوان شعرهن واعتنى بحفظ الحكايات والملح والمحاضرات، وأخبار الناس والتواريخ، وحين مات مظفر الدين كوكبوري بن علي بن بكتكين – رضي الله عنه – وجاءت الدولة المستنصرية، فارق إربل، ورحل إلى بلاد الشام؛ فنزل محروسة حلب في أيام الملك العزيز غياث الدين، فامتدحه، فأجازه وجعله أحد شعراء دولته، وقرر له جراية وجامكية، تصل إليه في رأس كل شهر.
ولما توفي الملك العزيز، وتولى السلطان الملك الناصر صلاح الدين بن يوسف – خلد الله ملكه – لم يغير عليه شيئاً، ومدحه وأنعم عليه:
أنشدني لنفسه، يمدح الملك المنصور عماد الدين زنكي بن أرسلان شاه: [من الطويل]
لقد هاج لي رند الحجاز بنشره ... جوىً خلت حرَّ النار من دون حره
واذكرني عهداً بنعمان سالفاً ... على أنني ما زلت مغرىً بذكره
خذوا من حديثي ما لكم فيه عبرةٌ ... لمعتاد أوجاع الهوى مستمره
/90 أ/ ولا تطلبوا من مغرم القلب سلوةً ... فميقات ما تبغونه يوم حشره
كفى قلبي المحزون كثرة وجده ... غداة استقلوا عند قلَّة صبره
ألفت الغضا مما أبثُّ له الجوى ... كألفة ودٍّ بين قلبي وجمره
وطال على الليل حتى ظننته ... سميري من الأحزان من فقد فجره
وأهيف معسول الشمائل طرفه ... يفيض على هاروت تيّار سحره
يحار ضياء الصبح من صبح وجهه ... ويغرق جنح الليل في ليل شعره