كتاب قلائد الجمان في فرائد شعراء هذا الزمان (اسم الجزء: 6)

ما خلا صنعاء وديار بكر بأسرها. ومن الجزيرة حرّان والرُّها والرّقة ورأس عين ونصيبين وسنجار والخابور. وخطب له من باب الموصل إلى حضر موت، وضربت له الكسة بها، فكادت أعواد المنابر أن تنطق طرقًا نطق الأعواد، واستنار الدينار والدرهم برسمه إستنارة الكوكب الوقاد.
وكان محافظاً على إقامة منار الشريعة المطهرة، وأمر بإجراء أحكامها على أدلتها المعتبرة المقرّرة. أحيا نسة النبي صلى الله عليه وسلم وأنشأ بالقاهرة المعزّية دارًا للحديث النبوي، وولّي رواية الحديث بها، وإقرائه الإمام العلامة ابن دحية، وأمر أن يتحفظ الحديث بها كحفظ دروس الفقه بكرةً وعشيًا. وعين للطلبة بحفظ ملخّص القابسيّ، وأظهر في ذلك رغبة، وأقرَّه حتى كان أكثر مجالسه تنقضي بالبحث فيه، وأمر بحذف أسانيد صحيح مسلم. وكان كثير المطالعة له. فذكر لي أنَّ ولده الملك العادل سيف الدين أبا بكر/ 241 ب/ قال: كنت كثيرًا ما أرى السلطان والدي- قدس الله روحه- إذا انفصل من مجلس أمره ونهيه، وطلب الراحة لنفسه، يديم المطالعة في كتاب، فإذا أراد النوم استلقى واستدام مطالعته فإذا نام ترك الكتاب على صدره فطالبتني نفسي بالإطلاع على ذلك الكتاب لمّا رأيت من محافظته على تأمله، فاتفق إن نام في قائلة يوم من الأيام على هذه الصورة وأمرني بالمقام عنده، فلما انتبه وقام من ذلك المكان تباطأت بعده إلى أن غاب عني، فعمدت إلى الكتاب إذا هو صحيح مسلم محذوف الأسانيد.
وحين ملك مكّة- شرفها الله تعالى- وأذعن له مالك المدينة النبوية- على ساكنها أفصل الصلاة والسلام- بالطاعة وأنتظم في جملة أشياعه، آثر أن يتشرّف بذكر الحرمين الشريفين مع ذكره على المنابر، وقرّر أن يقال ملك الحرمين، فأبى ذلك، فقيل: مالك الحرمين، فقال: لا أوثر أن يقرن ذكري بذكر الحرمين الشريفين مع تعظيم، فقيل خادم الحرمين الشريفين فسرَّه ذلك وابتهج به، وقال: الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده وبعد على خدمتهما.
وأجرى في أيامه على فقهاء المدارس، وربط المتطوّعة جراية من /242 أ/ طعام طول شهر رمضان المعظّم، وأفرد لذلك مطبخًا يسيِّر منه إلى كل موضع

الصفحة 311