كتاب صحيح وضعيف تاريخ الطبري (اسم الجزء: 6)

٣٥٠ - وقال ابن إسحاق فيما حدثني ابن حميد، قال: حدثنا سَلمة، عن ابن إسحاق: فلما أراد الله عزّ وجلّ أن يبعث إبراهيم - عليه السلام - خليل الرحمن حجة على قومه ورسولًا إلى عباده، ولم يكن فيما بين نوح وإبراهيم عليهما السلام من نبيّ قبله إلا هود وصالح، فلما تقارب زمان إبراهيم الذي أراد الله تعالى ذكره ما أراد أتى أصحابُ النجوم نمرود، فقالوا له: تعلَّم أنا نجد في علمنا: أن غلامًا يُولد في قريتك هذه يقال له إبراهيم، يفارق دينَكم، ويكسر أوثانكم، في شهر كذا وكذا من سنة كذا وكذا. فلما دخلت السنة التي وصف أصحاب النجوم لنمرود، بعث نمرود إلى كل امرأة حُبلى بقريته، فحبسها عنده، إلا ما كان من أم إبراهيم امرأة آزر فإنه لم يعلم بحبلها، وذلك أنها كانت جارية - حَدَثة فيما يذكر- لم يعرف الحبل في بطنها، فجعل لا تلد امرأة غلامًا في ذلك الشهر من تلك السنة إلا أمر به فذبح، فلما وجدت أمّ إبراهيم الطَّلْق خرجت ليلًا إلى مغارة كانت قريبًا منها، فولدت فيها إبراهيم - عليه السلام -، وأصلحت من شأنه ما يُصنع بالمولود، ثم سَدّت عليه المغارة، ثم رجعت إلى بيتها، ثم كانت تطالعه في المغارة لتنظر ما فعل، فتجده حيًّا يمصّ إبهامه. يزعمون - والله أعلم - أن الله جعل رزقَ إبراهيم - عليه السلام - فيها ما يجيئه من مصّه، وكان آزر فيما يزعمون قد سأل أم إبراهيم عن حملها ما فعل، فقالت: ولدت غلامًا فمات. فصدّقها فسكت عنها، وكان اليوم - فيما يذكرون - على إبراهيم في الشباب كالشهر، والشهر كالسنة؛ ولم يمكث إبراهيم - عليه السلام - في المغارة إلا خمسة عشر شهرًا، حتى قال لأمه: أخرجيني أنظر، فأخرجته عشاء، فنظر وتفكر في خلق المسموات والأرض، وقال: إن الذي خلقني ورزقني وأطعمني وسقاني لَرَبّي، ما لي إله غيره. ثم نظر في السماء ورأى كوكبًا، فقال: {هَذَا رَبِّي}، ثم أتبعه ينظر إليه ببصره حتى غاب {فَلَمَّا أَفَلَ قَال لَا أُحِبُّ الْآفِلِينَ (٧٦)}، ثم اطلع للقمر فرآه بازغًا فقال: {هَذَا رَبِّي} ثم اتبعه ببصره حتى غاب {فَلَمَّا أَفَلَ قَال لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِي رَبِّي لَأَكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ (٧٧)}. فلما دخل عليه النهار وطلعت الشمس رأى عظم الشمس ورأى شيئًا هو أعظم نورًا من كلّ شيء رآه قبل ذلك، فقال: {هَذَا رَبِّي هَذَا أَكْبَرُ فَلَمَّا أَفَلَتْ قَال يَاقَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ (٧٨) إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ (٧٩)}.

الصفحة 164