كتاب صحيح وضعيف تاريخ الطبري (اسم الجزء: 6)

فأصبحت الأصنام التي كانت تُعبَد من دون الله حين ولدت بكلّ أرض مقلوبة منكوسة على رؤوسها، ففزِعت الشياطين وراعها، فلم يدرُوا ما سبب ذلك، فساروا عند ذلك مسرعين، حتى جاؤوا إبليس، وهو على عرش له، في لُجّة خضراء، يتمثّل بالعرش يوم كان على الماء ويحتجب، يتمثّل بحجب النور التي من دون الرحمن، فأتوْه وقد خلا ست ساعات من النهار، فلما رأى إبليس جماعَتهم، فزع من ذلك، ولم يرهم جميعًا منذ فرّقهم قبل تلك الساعة، إنما كان يراهم أشتاتًا، فسألهم فأخبروه: أنه قد حدث في الأرض حدث أصبَحَتْ الأصنام منكوسة على رؤوسها، ولم يكن شيء أعونُ على هلاك بني آدم منها؛ كنا ندخلُ في أجوافها فنكلِّمهم، وندبّر أمرهم فيظنون أنها التي تكلِّمهم، فلما أصابها هذا الحدث صغّرَها في أعين بني آدم، وأذلَّها وأدناها، ذلك وقد خشينا ألّا يعبدوها بعد هذا أبدًا. واعلم أنّا لم نأتك حتى أحصينا الأرض، وقلبنا البحار وكلّ شيء قوينا عليه؛ فلم نزدد بما أردنا إلا جهلًا. قال لهم إبليس: إنّ هذا لأمر عظيم، لقد علمت بأني كُتِمتُه، وكونوا على مكانكم هذا. فطار إبليس عند ذلك، فلبث عنهم ثلاث ساعات، فمرّ فيهنّ بالمكان الذي وُلد فيه عيسى؛ فلما رأى الملائكة محدقين بذلك المكان، علم: أن ذلك الحَدث فيه، فأراد إبليس أن يأتيه من فوقه؛ فإذا فوقه رؤوس الملائكة ومناكبهم عند السماء. ثم أراد أن يأتيَه من تحت الأرض؛ فإذا أقدام الملائكة راسية أسفل مما أراد إبليس. ثم أراد أن يدخل من بينهم فنحَّوْه عن ذلك.
ثم رجع إبليس إلى أصحابه فقال لهم: ما جئتكم حتى أحصيت الأرض كلَّها مشرقها ومغربها، وبرّها وبحرها، والخافقين، والجوّ الأعلى؛ وكلّ هذا بلغتُ في ثلاث ساعات؛ وأخبرهم بمولد المسيح، وقال لهم: لقد كتِمتُ شأنه، وما اشتملت قبله رحم أنثى على ولد إلا بعلمي، ولا وضعتْه قطّ، إلّا وأنا حاضرها؛ وإني لأرجو أن أضلَّ به أكثر مما يهتدِي به، وما كان نبيّ قبلَه أشدّ عليّ وعليكم منه.
وخرج في تلك الليلة قوم يؤمُّونه من أجل نجم طلع أنكروه، وكان قبل ذلك يتحدّثون: أن مطلع ذلك النجم من علامات مولود في كتاب دانيال. فخرجوا يريدونه، ومعهم الذهب والمُرّ واللّبان، فمرّوا بملك من ملوك الشأم،

الصفحة 405