كتاب صحيح وضعيف تاريخ الطبري (اسم الجزء: 6)

أسباط عن السديّ في خبر ذكره، عن أبي مالك، وعن أبي صالح، عن ابن عباس - وعن مرّة الهمدانيّ عن ابن مسعود - وعن ناس من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم -، قال: خرجت مريم إلى جانب المحراب لحيض أصابها فاتّخذت من دونهم حجابًا من الجدران، وهو قوله: {إِذِ انْتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِهَا مَكَانًا شَرْقِيًّا (١٦) فَاتَّخَذَتْ مِنْ دُونِهِمْ حِجَابًا} في شرق المحراب، فلما طَهُرت إذا هي برجل معها، وهو قوله: {فَأَرْسَلْنَا إِلَيهَا رُوحَنَا} فهو جبرئيل {فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَويًّا}. فلما رأته؛ فزعت منه وقالت: {إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَنِ مِنْكَ إِنْ كُنْتَ تَقِيًّا (١٨) قَال إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلَامًا زَكِيًّا (١٩) قَالتْ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا} - تقول: زانية - {قَال كَذَلِكِ قَال رَبُّكِ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِلنَّاسِ وَرَحْمَةً مِنَّا وَكَانَ أَمْرًا مَقْضِيًّا} فخرجت، عليها جلبابُها، فأخذ بكمّيها، فنفخ في جيب درعها - وكان مشقوقًا من قُدّامها - فدخلت النفخة في صدرها، فحملمت، فأتتها أختها امرأة زكرياء ليلةً تزورها، فلما فتحت لها الباب التزمتْها، فقالت امرأة زكرياء: يا مريمُ! أشعرت أني حبلى؟ قالت مريم: أشعرت أني أيضًا حبلى؟ ! قالت امرأة زكرياء: فإني وجدتُ ما في بطني يسجد لما في بطنك، فذلك قوله: {مُصَدِّقًا بِكَلِمَةٍ مِنَ اللَّهِ}. فولدت امرأةُ زكرياء يحيى، ولما بلغ أن تضع مريم، خرجتْ إلى جانب المحراب الشرقيّ منه، فأتت أقصاه: {فَأَجَاءَهَا الْمَخَاضُ إِلَى جِذْعِ النَّخْلَةِ} يقول: ألجأها المخاض إلى جذعِ النخلة، {قَالتْ}: وهي تطلق من الحبل استحياء من الناس: {يَاليتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا وَكُنْتُ نَسْيًا مَنْسِيًّا}. تقول: نسيًا: نُسيَ ذكري، ومنسيًا، تقول: نُسي أثري، فلا يرى لي أثر، ولا عين. {فَنَادَاهَا} جبرئيل: {مِنْ تَحْتِهَا أَلَّا تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا} والسريّ هو النهر. {وَهُزِّي إِلَيكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ}، وكان جذعًا منها مقطوعًا فهزته، فإذا هو نخلة، وأجرى لها في المحراب نهرًا فتساقطت النخلة رطبًا جنيًّا، فقال لها: {فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَينًا فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَدًا فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيًّا}، فكان من صام في ذلك الزمان لم يتكلّم حتى يمسي، فقيل لها: لا تزيدي على هذا، فلما ولدتْه؛ ذهب الشيطان فأخبر بنو إسرائيل: أنّ مريم قد ولدت، فأقبلوا يشتدون، فدعوها {فَأَتَتْ بِهِ قَوْمَهَا تَحْمِلُهُ قَالُوا يَامَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيئًا فَرِيًّا} - يقول: عظيمًا - {يَاأُخْتَ هَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا}، فما بالك أنت يا أخت هارون! وكانت من بني هارون أخي موسى؛ وهو

الصفحة 408