كتاب صحيح وضعيف تاريخ الطبري (اسم الجزء: 6)

دخل فيه، فأبوْا عليه حتى يحاكموه إلى النّار التي كانت باليمن (١).
٨١٧ - حدَّثنا ابن حميد، قال: حدثنا سَلمة عن ابن إسحاق، عن بعض أصحابه: أنّ الحَبْرين ومَنْ خرج معهما من حِمْير؛ إنما اتّبعوا النار ليردّوها، وقالوا: مَنْ ردّها فهو أوْلى بالحقّ، فدنا منها رجالٌ من حِمْير بأوثانهم ليردُّوها، فدنت منهم لتأكلَهم، فحادوا عنها فلم يستطيعوا ردّها، ودنا منها الحَبْران بعد ذلك، وجَعلا يتلُوَان التوراة وتنكُص، حتى ردّاها إلى مخرجها الذي خرجت منه؛ فأصفقت عند ذلك حميَر على دينهما، وكان رئام بيتًا لهم يعظّمونه، وينحرون عنده، ويُكلَّمون منه إذْ كانوا على شِرْكهم، فقال الحَبْران لتبّع: إنما هو شيطان يَفْتِنهُم ويلدب بهم، فخلّ بيننا وبينه، قال: فشأنكما به؛ فاستخرجا منه -فيما يزعم أهل اليمن- كلبًا أسود، فذبحاه وهدما ذلك البيت؛ فبقاياه اليوم باليمن -كما ذكر لي- وهو رئام به آثار الدّماء التي كانت تُهراق عليه.
فقال تبّع في مسيره ذلك وما كان هتم به من أمر المدينة وشأن البيت وما صنع برجال هذيل الذين قالوا له ما قالوا، وما صنع بالبيت حين قدم مكّة من كسوته وتطهيره، وما ذكر له الحبْران من أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:
مَا بَالُ نَوْمِكَ مِثْلَ نَوْمِ الأَرْمَدِ ... أرِقًا كَأَنَكَ لَا تَزَالُ تُسَهَّدُ
حنَقًا على سِبْطَينِ حَلَّا يَثْرِبًا ... أوْلَى لهُمْ بعِقَابِ يَوْمٍ مُفْسِدِ!
ولَقَدْ نَزَلْتُ مِنَ الْمَدِينَةِ مَنْزِلًا ... طابَ الْمَبيتُ به وَطَابَ المَرْقَدُ
وَجَعَلْتُ عَرْصَةَ مَنْزِلٍ بِرُباوةٍ ... بينَ الْعَقِيقِ إلى بقيعِ الْغَرْقَدِ
ولقدْ تَرَكْنَا لابَهَا وَقَرَارَهَا ... وسِبَاخَهَا فُرِشَتْ بِقَاعٍ أجْرَدِ
ولقد هَبَطْنَا يَثْرِبًا وَصدُورُنَا ... تغْلِي بَلابِلُهَا بقَتْلٍ مُحْصِدِ
ولقدْ حَلَفْتُ يَمِينَ صَبْرٍ مُؤْليًا ... قسَمًا لَعَمْرُكَ لَيسَ بالمُتَرَدِّدِ
إنْ جِئْتُ يَثْربَ لا أُغَادرُ وَسْطَهَا ... عذْقًا ولا بُسْرًا بيَثْرِبَ يَخْلُدُ
حتى أَتاني منْ قُرَيظَةَ عالِمٌ ... حبْرٌ لَعَمْرُكَ في الْيهُودِ مُسَوَّدُ
قال ازْدَجِرْ عَنْ قَرْيَةٍ مَحْفُوظَةٍ ... لنَبيّ مَكَّةَ مِنْ قُرَيشٍ مُهْتَدِ
فَعَفوْتُ عَنْهُمْ عَفْوَ غَيرِ مُثَرِّبٍ ... وتركْتُهُمْ لِعقابِ يوْمٍ سَرْمَدِ
---------------
(١) ضعيف. وانظر البداية والنهاية (٢/ ٩٤).

الصفحة 439