كتاب صحيح وضعيف تاريخ الطبري (اسم الجزء: 6)

إليه ويُدَاويَه. فقلت: يا هذا! ما بي شيء مما تذكر، إن آرائي سليمة وفؤادي صحيح، ليس بي قَلبَة. فقال أبي - وهو زوج ظئري - ألا ترون كلامه كلامَ صحيح! إني لأرجو ألّا يكون بابني بأسٌ، فاتّفقوا على أن يذهبوا بي إلى الكاهن فاحتملوني حتى ذهبوا بي إليه، فلمَّا قَصُّوا عليه قِصَّتي قال: اسكُتُوا حتَّى أسمعَ من الغلام، فإنَّه أعلمُ بأمره منكم، فسألني، فاقتصصت عليه أمري ما بين أوَّله وآخره، فلمَّا سمع قولي وَثَبَ إليَّ فضمَّني إلى صدْره ثم نادى بأعلى صوته: يا لَلْعَرب! يا لَلْعَرب! اقتلوا هذا الغلامَ واقتلوني معه، فو اللّات والعزَى لئن ترَكتْموه وأدرك؛ ليَبُدّلن دينكُم، وليُسفّهَنَّ عقولَكُم وعقولَ آبائكم، وليَخالفنَّ أمْرَكم، وليأتِيَنكُم بدينٍ لم تسمعوا بمثله قطّ! فَعَمَدَتْ ظِئري فانتزعَتْني من حِجْرِه وقالت: لأنْتَ أعْتَهُ وأجَنّ من ابني هذا! فلو علمتُ: أن هذا يكون من قولك ما أتيتُك بِه، فاطلب لِنَفْسِك من يقتُلُك، فإنّا غيرُ قَاتِلي هذا الغلام. ثم احتملوني فأدّوني إلى أهلي فأصبحت مُفْزَّعًا مما فعل بي، وأصبح أثر الشّقّ ما بين صدري إلى مُنْتَهَى عانتي كأنه الشِّراك. فذلك حقيقةُ قولي، وبدءُ شأني يا أخا بني عامر!
فقال العامريّ: أشهدُ بالله الذي لا إله غيره: أن أمْرَك حقّ! فأنبئْني بأشياء أسألك عنها؛ قال: سل عنك - وكان النبيّ - صلى الله عليه وسلم - قبل ذلك يقول للسّائل: سل عمّا شئت، وعمَّا بدا لك، فقال للعامريّ يومئذ: "سل عنْك"، لأنَّها لغةُ بني عامر، فكلَّمه بما علِم - فقال له العامريّ: أخبرني يا بنَ عبد المطلب ما يزيدُ في العِلم؟ قال: التعلّم. قال: فأخبرني ما يدلّ على العلْم؟ قال النبيّ - صلى الله عليه وسلم -: السؤال. قال: فأخْبِرْني ماذا يزيدُ في الشرّ؟ قال: التمادي. قال: فأخْبرني هل ينفع البِرُّ بعد الفجور. قال: نعم، التَّوبة تغسِل الحوْبة، والحسناتُ يُذهِبْن السيئات، وإذا ذكر العبدُ ربَّه عند الرَّخاء؛ أغاثهُ عند البَلَاء. قال العامريّ: وكيف ذلك يا بنَ عبد المطلب؟ ! قال: ذلك بأنّ الله يقول: لا وعزَّتي وجلالي، لا أجمع لعبدي أمْنَين، ولا أجمع له أبدًا خوْفَين، إن هو خافَني في الدنيا؛ أمِنَنِي يومَ أجمعُ فيه عِبادي عندي في حظيرة الفردوس، فيدومُ له أمْنُه، ولا أمْحقُه فيمن أمحق، وإن هو أمِنَني في الدُّنيا خَافَني يوم أجْمَعُ فيه عبادي لميقات يوم معلوم، فيدومُ له خوفُه. قال: يا بن عبد المطّلب! أخبرني إلامَ تدعو؟ قال: أدعو إلى عبادة الله

الصفحة 486