كتاب الفتاوى العالمكيرية = الفتاوى الهندية (اسم الجزء: 6)

فَانْكَسَرَتَا قَالَ: ضَمِنَ صَاحِبُ الْجَرَّةِ الْقَائِمَةِ الَّتِي لَمْ تَتَدَحْرَجْ قِيمَةَ الْجَرَّةِ الْأُخْرَى وَمِثْلَ الزَّيْتِ الَّذِي فِيهَا، وَأَمَّا صَاحِبُ الْجَرَّةِ الَّتِي تَدَحْرَجَتْ فَلَا يَضْمَنُ شَيْئًا وَلَوْ تَدَحْرَجَتَا لَا ضَمَانَ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَلَوْ مَالَتْ إحْدَاهُمَا فَضَرَبَتْ عَلَى الْأُخْرَى مِنْ غَيْرِ أَنْ تَزُولَ عَنْ مَوْضِعِهَا الَّذِي وَضَعَهَا فِيهِ فَانْكَسَرَتَا، أَوْ انْكَسَرَتْ الْمَائِلَةُ، أَوْ الْقَائِمَةُ فَعَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ضَمَانُ مَا انْكَسَرَ بِجَرَّتِهِ كَذَا فِي الْمُحِيطِ.

وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا اغْتَرَفَ مِنْ الْحَوْضِ الْكَبِيرِ بِجَرَّةٍ وَوَضَعَهَا عَلَى الشَّطِّ ثُمَّ جَاءَ آخَرُ وَفَعَلَ مِثْلَ ذَلِكَ فَتَدَحْرَجَتْ الْأَخِيرَةُ وَصَدَمَتْ الْأُولَى فَانْكَسَرَتَا يَضْمَنُ صَاحِبُ الْجَرَّةِ الْأَخِيرَةِ قِيمَةَ الْجَرَّةِ الْأُولَى لِصَاحِبِهَا، وَقِيلَ: يَضْمَنُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا قِيمَةَ جَرَّةِ صَاحِبِهِ كَذَا فِي خِزَانَةِ الْمُفْتِينَ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: الضَّمَانُ عَلَى صَاحِبِ الْجَرَّةِ الْقَائِمَةِ عَلَى كُلِّ حَالٍ كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ.

وَضَعَ شَيْئًا عَلَى الطَّرِيقِ فَنَفَرَتْ عَنْهُ دَابَّةٌ فَقَتَلَتْ رَجُلًا فَلَا ضَمَانَ عَلَى الْوَاضِعِ إنْ لَمْ يُصِبْهَا ذَلِكَ الشَّيْءُ، وَكَذَا الْحَائِطُ الْمَائِلُ إذَا تَقَدَّمَ إلَى صَاحِبِهِ فَسَقَطَ عَلَى الْأَرْضِ فَنَفَرَتْ عَنْهُ دَابَّةٌ وَقَتَلَتْ إنْسَانًا لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ إنَّمَا يَضْمَنُ صَاحِبُ الْحَائِطِ وَالْوَاضِعُ فِي الطَّرِيقِ إذَا أَصَابَ الْحَائِطُ شَيْئًا فَأَتْلَفَهُ، أَوْ أَصَابَ الْمَوْضُوعُ شَيْئًا فَأَتْلَفَهُ كَذَا فِي الْمُحِيطِ.

قَالَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي الْأَصْلِ -: إذَا احْتَفَرَ أَهْلُ الْمَسْجِدِ فِي مَسْجِدِهِمْ بِئْرًا لِمَاءِ الْمَطَرِ، أَوْ عَلَّقُوا فِيهِ قَنَادِيلَ، أَوْ وَضَعُوا فِيهِ جُبًّا يُصَبُّ فِيهِ الْمَاءُ، أَوْ طَرَحُوا فِيهِ حَصِيرًا، أَوْ رَكَّبُوا فِيهِ بَابًا أَوْ طَرَحُوا فِيهِ بِوَارِيَّ، أَوْ ظَلَّلُوهُ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِمْ فِيمَنْ عَطِبَ بِذَلِكَ، أَمَّا إذَا أَحْدَثَ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ غَيْرُ أَهْلِ الْمَحَلَّةِ فَعَطِبَ بِهِ إنْسَانٌ، فَإِنْ فَعَلُوا ذَلِكَ بِإِذْنِهِمْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِمْ فِي ذَلِكَ ضَمَانٌ، أَمَّا إذَا فَعَلُوا ذَلِكَ بِغَيْرِ إذْنِ أَهْلِ الْمَحَلَّةِ إنْ أَحْدَثُوا بِنَاءً أَوْ حَفَرُوا بِئْرًا فَعَطِبَ فِيهَا إنْسَانٌ فَإِنَّهُمْ يَضْمَنُونَ بِالْإِجْمَاعِ فَأَمَّا إذَا وَضَعُوا جُبًّا لِيَشْرَبُوا مِنْهُ، أَوْ بَسَطُوا حَصِيرًا، أَوْ بَوَارِيَّ، أَوْ عَلَّقُوا قَنَادِيلَ بِغَيْرِ إذْنِ أَهْلِ الْمَحَلَّةِ فَتَعَقَّلَ إنْسَانٌ بِالْحَصِيرِ وَعَطِبَ، أَوْ وَقَعَ الْقِنْدِيلُ وَاحْتَرَقَ ثَوْبُ إنْسَانٍ، أَوْ أَفْسَدَهُ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - بِأَنَّهُمْ يَضْمَنُونَ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ - رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى - لَا يَضْمَنُونَ قَالَ الْإِمَامُ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ الْحَلْوَانِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَكْثَرُ مَشَايِخِنَا أَخَذُوا بِقَوْلِهِمَا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ.
وَإِنْ جَلَسَ فِي الْمَسْجِدِ رَجُلٌ مِنْهُمْ فَعَطِبَ بِهِ رَجُلٌ إنْ كَانَ فِي غَيْرِ الصَّلَاةِ ضَمِنَ، وَإِنْ كَانَ فِي الصَّلَاةِ لَا يَضْمَنُ وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَقَالَا: لَا يَضْمَنُ بِكُلِّ حَالٍ كَذَا فِي الْكَافِي. وَذَكَرَ صَدْرُ الْإِسْلَامِ أَنَّ الْأَظْهَرَ مَا قَالَاهُ كَذَا فِي التَّبْيِينِ. وَإِذَا قَعَدَ لِلْعِبَادَةِ بِأَنْ كَانَ يَنْتَظِرُ الصَّلَاةَ، أَوْ قَعَدَ لِلتَّدْرِيسِ، أَوْ لِتَعْلِيمِ الْفِقْهِ، أَوْ لِلِاعْتِكَافِ، أَوْ قَعَدَ لِذِكْرِ اللَّهِ - تَعَالَى - أَوْ تَسْبِيحِهِ، أَوْ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ فَعَثَرَ بِهِ إنْسَانٌ فَمَاتَ هَلْ يَضْمَنُ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لَا رِوَايَةَ لِهَذَا فِي الْكِتَابِ وَالْمَشَايِخُ الْمُتَأَخِّرُونَ فِي ذَلِكَ مُخْتَلِفُونَ مِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ يَضْمَنُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَإِلَيْهِ ذَهَبَ أَبُو بَكْرٍ الرَّازِيّ وَقَالَ بَعْضُهُمْ لَا يَضْمَنُ وَإِلَيْهِ ذَهَبَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْجُرْجَانِيُّ كَذَا فِي الْمُحِيطِ.
وَذَكَرَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ أَنَّ الصَّحِيحَ مِنْ مَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَنَّ الْجَالِسَ لِانْتِظَارِ الصَّلَاةِ لَا يَضْمَنُ، وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي عَمَلٍ لَا يَكُونُ لَهُ اخْتِصَاصٌ بِالْمَسْجِدِ كَقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ وَدَرْسِ الْفِقْهِ وَالْحَدِيثِ، وَذَكَرَ الْفَقِيهُ أَبُو جَعْفَرٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي كَشْفِ الْغَوَامِضِ سَمِعْتُ أَبَا بَكْرٍ يَقُولُ: إنْ جَلَسَ لِقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ، أَوْ مُعْتَكِفًا لَا يَضْمَنُ بِالْإِجْمَاعِ، وَذَكَرَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ وَالصَّدْرُ الشَّهِيدُ أَنَّهُ إنْ جَلَسَ لِلْحَدِيثِ يَضْمَنُ بِالْإِجْمَاعِ كَذَا فِي التَّبْيِينِ. لَا خِلَافَ فِي أَنَّهُ إذَا مَشَى فِي الْمَسْجِدِ فَأَوْطَأَ إنْسَانًا، أَوْ نَامَ فِيهِ وَانْقَلَبَ عَلَى إنْسَانٍ فَهُوَ ضَامِنٌ كَذَا فِي شَرْحِ الْمَبْسُوطِ.

قَالَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ فِي رَجُلٍ يَجْعَلُ قَنْطَرَةً عَلَى نَهْرٍ بِغَيْرِ إذْنِ الْإِمَامِ فَمَرَّ عَلَيْهَا رَجُلٌ مُتَعَمِّدًا فَيَقَعُ فَيَعْطَبُ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ هَكَذَا ذِكْرُ الْمَسْأَلَةِ هَاهُنَا (وَاعْلَمْ) أَنَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ عَلَى وَجْهَيْنِ: إنْ كَانَ النَّهْرُ مَمْلُوكًا لَهُ فَلَا ضَمَانَ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَمْلُوكًا لَهُ، فَإِنْ كَانَ نَهْرًا خَاصًّا لِأَقْوَامٍ مَخْصُوصِينَ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ إنْ كَانَ تَعَمَّدَ الْمُرُورَ عَلَيْهَا، وَإِنْ لَمْ يَتَعَمَّدْ الْمُرُورَ عَلَيْهَا فَهُوَ ضَامِنٌ، وَعَلَى قِيَاسِ مَسْأَلَةِ الرَّشِّ يَنْبَغِي أَنَّهُ إذَا لَمْ يَجِدْ طَرِيقًا آخَرَ لِيَمُرَّ فِيهِ، أَوْ مَوْضِعًا بِغَيْرِ النَّهْرِ يَضْمَنُ، وَإِنْ تَعَمَّدَ الْمَشْيَ عَلَيْهِ.
وَإِنْ كَانَ نَهْرًا عَامًّا لِجَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ، وَقَدْ فَعَلَ ذَلِكَ بِغَيْرِ إذْنِ الْإِمَامِ فَالْجَوَابُ فِيهِ كَالْجَوَابِ فِيمَا لَوْ نَصَبَ

الصفحة 44