كتاب الفتاوى العالمكيرية = الفتاوى الهندية (اسم الجزء: 6)

هَكَذَا ذَكَرَهُ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي الْعُيُونِ هَكَذَا فِي مُحِيطِ السَّرَخْسِيِّ وَإِذَا أَوْصَى بِالْعِتْقِ قَبْلَ الْجِنَايَةِ، ثُمَّ جَنَى بَعْدَ مَوْتِ الْمُوصِي، فَأَعْتَقَهُ الْوَصِيُّ، وَهُوَ يَعْلَمُ بِالْجِنَايَةِ، فَهُوَ ضَامِنٌ لِلْجِنَايَةِ، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ، فَهُوَ ضَامِنٌ لِلْقِيمَةِ، وَلَا يَرْجِعُ عَلَى الْوَرَثَةِ كَذَا فِي الْمُحِيطِ.

أَوْصَى بِعِتْقِ عَبْدٍ لَهُ، فَجَنَى الْعَبْدُ جِنَايَةً أَرْشِهَا دِرْهَمٌ وَقَالَتْ الْوَرَثَةُ بَعْدَ مَوْتِ الْمُوصِي: لَا نَفْدِيهِ، فَلَهُمْ ذَلِكَ، وَإِذَا تَرَكُوا الْفِدَاءَ يُدْفَعُ بِالْجِنَايَةِ، وَتَبْطُلُ الْوَصِيَّةُ إلَّا أَنْ يُؤَدِّيَ الْعَبْدُ مِنْ غَيْرِ مَا اكْتَسَبَهُ بِأَنْ يَقُولَ لِإِنْسَانٍ: أَدِّ عَنِّي دِرْهَمًا فَفَعَلَ صَحَّ، وَصَارَ ذَلِكَ الدِّرْهَمُ دَيْنًا عَلَى الْعَبْدِ يُطَالَبُ بِهِ إذَا أُعْتِقَ كَذَا فِي خِزَانَةِ الْمُفْتِينَ.

إذَا وَكَّلَ رَجُلٌ رَجُلًا أَنْ يُعْتِقَ عَبْدَهُ، ثُمَّ إنَّ الْعَبْدَ جَنَى جِنَايَةً، ثُمَّ أَعْتَقَهُ الْوَكِيلُ، وَهُوَ يَعْلَمُ بِالْجِنَايَةِ، فَالْمَوْلَى ضَامِنٌ لِقِيمَةِ الْعَبْدِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَالِمًا بِالْجِنَايَةِ كَذَا فِي الْمُحِيطِ.

وَكَّلَهُ بِالْكِتَابَةِ، ثُمَّ قَتَلَ الْعَبْدُ رَجُلًا خَطَأً ثُمَّ كَاتَبَ الْوَكِيلَ، وَهُوَ يَعْلَمُ أَوْ لَا، فَعَلَى الْمَوْلَى الْقِيمَةُ دُونَ الدِّيَةِ كَذَا فِي مُحِيطِ السَّرَخْسِيِّ.

وَإِذَا جَنَى الْعَبْدُ جِنَايَةً، فَأَخْبَرَ وَلِيُّ الْجِنَايَةِ مَوْلَى الْعَبْدِ، فَأَعْتَقَهُ، فَقَالَ: لَمْ أُصَدِّقْهُ فِيمَا أَخْبَرَنِي بِهِ، فَهُوَ مُخْتَارٌ لِلْفِدَاءِ، وَكَذَلِكَ إنْ أَخْبَرَهُ بِهِ رَسُولُ وَلِيِّ الْجِنَايَةِ فَاسِقًا كَانَ أَوْ عَدْلًا، فَأَمَّا إنْ أَخْبَرَهُ بِذَلِكَ فُضُولِيٌّ، فَإِنْ صَدَّقَهُ فِيمَا أَخْبَرَهُ بِهِ، ثُمَّ أَعْتَقَ الْعَبْدَ، فَهُوَ مُخْتَارٌ لِلْفِدَاءِ أَيْضًا، وَإِنْ كَذَّبَهُ فِي ذَلِكَ أَوْ لَمْ يُصَدِّقْهُ وَلَمْ يُكَذِّبْهُ حَتَّى عَتَقَ الْعَبْدُ، فَإِنْ كَانَ الْمُخْبِرُ عَدْلًا، فَكَذَلِكَ الْجَوَابُ، وَإِنْ كَانَ الْمُخْبِرُ فَاسِقًا، فَعَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لَا يَكُونُ مُخْتَارًا لِلْفِدَاءِ، وَلَكِنْ عَلَيْهِ قِيمَتُهُ لِاسْتِهْلَاكِهِ إيَّاهُ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ - رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى -: هُوَ مُخْتَارٌ لِلْفِدَاءِ، وَإِذَا أَخْبَرَهُ بِهِ فَاسِقَانِ، فَفِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ كَذَلِكَ، وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى يَكُونُ مُخْتَارًا لِلْفِدَاءِ كَذَا فِي شَرْحِ الْمَبْسُوطِ.

وَلَوْ أَخْبَرَهُ عَبْدُهُ بِالْجِنَايَةِ، فَأَعْتَقَهُ الْمَوْلَى، وَقَالَ لَمْ أُصَدِّقْهُ، فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لَا يَضْمَنُ مَا لَمْ يُخْبِرْهُ رَجُلٌ حُرٌّ عَدْلٌ، وَعِنْدَهُمَا يَضْمَنُ الدِّيَةَ، وَإِنْ كَانَ الْمُخْبِرُ فَاسِقًا أَوْ عَبْدًا أَوْ كَافِرًا كَذَا فِي مُحِيطِ السَّرَخْسِيِّ.

ذَكَرَ ابْنُ سِمَاعَةَ فِي الرُّقَيَّاتِ أَنَّهُ كَتَبَ إلَى مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي عَبْدٍ قَتَلَ رَجُلًا، وَلِلْمَقْتُولِ وَلِيَّانِ: أَحَدُهُمَا: غَائِبٌ، فَخَاصَمَ الْحَاضِرُ مِنْهُمَا كَيْفَ يَنْبَغِي لِلْحَاكِمِ أَنْ يُخْبِرَ مَوْلَى الْعَبْدِ، فَكَتَبَ مُحَمَّدٌ أَنَّ أَيَّ الْوَرَثَةِ حَضَرَ، فَهُوَ خَصْمٌ، وَأَيُّهُمَا اخْتَارَ، وَجَبَ عَلَيْهِ ذَلِكَ فِي جَمِيعِهِ كَذَا فِي الْمُحِيطِ.

وَإِذَا قَتَلَ الْعَبْدُ قَتِيلًا خَطَأً، وَلِلْمَقْتُولِ وَلِيَّانِ، فَدَفَعَهُ الْمَوْلَى إلَى أَحَدِهِمَا بِقَضَاءِ قَاضٍ، ثُمَّ قَتَلَ عِنْدَهُ آخَرَ، ثُمَّ جَاءَ وَلِيُّ الْآخَرِ وَالشَّرِيكُ فِي الْجِنَايَةِ الْأُولَى، فَإِنَّهُ يُقَالُ لِلْمَدْفُوعِ إلَيْهِ الْأَوَّلِ: ادْفَعْ نِصْفَكَ إلَى الْآخَرِ أَوْ افْدِ بِنِصْفِ الدِّيَةِ فَإِنْ دَفَعَهُ بَرِئَ مِنْ نِصْفِ الدِّيَةِ، وَيَرُدُّ النِّصْفَ الثَّانِيَ عَلَى الْمَوْلَى، ثُمَّ يُقَالُ لِلْمَوْلَى: ادْفَعْهُ أَوْ افْدِهِ بِعَشَرَةِ آلَافٍ خَمْسَةُ آلَافٍ لِلْآخَرِ، وَخَمْسَةُ آلَافٍ لِوَلِيِّ الْأَوَّلِ الَّذِي لَمْ يَأْخُذْ شَيْئًا فَإِنْ دَفَعَهُ ضَرَبَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي هَذَا النِّصْفِ بِخَمْسَةِ آلَافٍ فَيَكُونُ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ، فَحَصَلَ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِ الْعَبْدِ لِوَلِيِّ الْجِنَايَةِ الْأَخِيرَةِ، وَرُبْعُهُ لِلَّذِي لَمْ يَكُنْ قَبَضَ مِنْ وَلِيِّ الْجِنَايَةِ الْأُولَى، ثُمَّ يَضْمَنُ الْوَلِيُّ الَّذِي كَانَتْ الْجِنَايَةُ الثَّانِيَةُ فِي يَدِهِ رُبْعَ قِيمَتِهِ لِلْمَوْلَى، فَيَدْفَعُهُ الْمَوْلَى إلَى الْأَوْسَطِ، وَلَا يَكُونُ الْمَوْلَى ضَامِنًا لَهُ شَيْئًا مَا لَمْ يَسْتَوْفِ رُبْعَ الْقِيمَةِ مِنْ الْأَوَّلِ، وَلَوْ كَانَ دَفَعَهُ إلَيْهِ بِغَيْرِ قَضَاءِ الْقَاضِي كَانَ لِلْأَوْسَطِ الْخِيَارُ إنْ شَاءَ ضَمَّنَ الْمَوْلَى هَذَا الرُّبْعَ بِاعْتِبَارِ دَفْعِهِ إلَى صَاحِبِهِ بِغَيْرِ قَضَاءِ الْقَاضِي، وَإِنْ شَاءَ ضَمَّنَ صَاحِبَهُ.
فَإِنْ ضَمَّنَ الْوَلِيَّ رَجَعَ بِهِ الْمَوْلَى عَلَى الْمَدْفُوعِ إلَيْهِ الْأَوَّلِ، فَإِذَا قَتَلَ الْعَبْدُ قَتِيلَيْنِ خَطَأً، فَدَفَعَهُ الْمَوْلَى إلَى أَحَدِهِمَا بِغَيْرِ قَضَاءِ الْقَاضِي، فَقَتَلَ عِنْدَهُ قَتِيلًا خَطَأً، ثُمَّ اجْتَمَعُوا، وَاخْتَارُوا الدَّفْعَ، فَإِنَّ الْمَدْفُوعَ إلَيْهِ الْأَوَّلَ يُقَالُ لَهُ: ادْفَعْ نِصْفَ الْعَبْدِ إلَى الْآخَرِ، وَيَرُدُّ النِّصْفَ الْبَاقِيَ عَلَى الْمَوْلَى، ثُمَّ يَدْفَعُهُ الْمَوْلَى إلَى الْأَوْسَطِ وَالْآخَرِ يَضْرِبُ فِيهِ الْآخَرُ بِخَمْسَةِ آلَافٍ وَيَضْرِبُ فِيهِ الْأَوْسَطُ بِعَشَرَةِ آلَافٍ، فَيَكُونُ هَذَا النِّصْفُ بَيْنَهُمَا أَثْلَاثًا ثُلُثَاهُ لِلْأَوْسَطِ، وَثُلُثُهُ لِلْآخَرِ، ثُمَّ يَضْمَنُ الْمَوْلَى سُدُسَ قِيمَةِ الْعَبْدِ لِلْأَوْسَطِ، وَهُوَ مَا سَلَّمَ مِنْ هَذَا النِّصْفِ لِوَلِيِّ الْجِنَايَةِ الْأَخِيرَةِ، وَيَرْجِعُ بِهِ الْأَوَّلُ الَّذِي كَانَ فِي يَدِهِ، وَإِنْ شَاءَ الْأَوْسَطُ ضَمِنَ هَذَا السُّدُسَ الَّذِي كَانَ فِي يَدِهِ هَكَذَا يَقُولُهُ الْعِرَاقِيُّونَ مِنْ مَشَايِخِنَا، وَالصَّحِيحُ عِنْدِي أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ هَاهُنَا، وَلَا فِي الْفَصْلِ الْأَوَّلِ، وَلَوْ كَانَ الدَّفْعُ بِقَضَاءِ قَاضٍ كَانَ مِثْلَ هَذَا أَيْضًا إلَّا أَنَّ الْمَوْلَى لَا يَضْمَنُ شَيْئًا لِلْأَوْسَطِ، وَلَكِنَّهُ

الصفحة 60