كتاب فتح السلام شرح عمدة الأحكام من فتح الباري (اسم الجزء: 6)

وقال الفخر الرّازيّ في " المحصول ": الحقّ أنّ الله تعالى إذا قال لزيدٍ: أوجبت على عمرو كذا , وقال لعمرٍو: كلّ ما أوجب عليك زيد فهو واجب عليك , كان الأمر بالأمر بالشّيء أمراً بالشّيء.
قلت: وهذا يمكن أن يؤخذ منه التّفرقة بين الأمر الصّادر من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ومن غيره، فمهما أمر الرّسول أحداً أن يأمر به غيره وجب , لأنّ الله أوجب طاعته وهو أوجب طاعة أميره كما ثبت في الصّحيح " من أطاعني فقد أطاع الله، ومن أطاع أميري فقد أطاعني ". وأمّا غيره ممّن بعده فلا، وفيهم تظهر صورة التّعدّي التي أشار إليها ابن الحاجب.
وقال ابن دقيق العيد: لا ينبغي أن يتردّد في اقتضاء ذلك الطّلب، وإنّما ينبغي أن ينظر في أنّ لوازم صيغة الأمر. هل هي لوازم صيغة الأمر بالأمر أو لا؟ بمعنى أنّهما يستويان في الدّلالة على الطّلب من وجه واحد أو لا.
قلت: وهو حسن، فإنّ أصل المسألة التي انبنى عليها هذا الخلاف حديث " مروا أولادكم بالصّلاة لسبعٍ " فإنّ الأولاد ليسوا بمكلفين فلا يتّجه عليهم الوجوب، وإنّما الطّلب متوجّه على أوليائهم أن يعلموهم ذلك، فهو مطلوب من الأولاد بهذه الطّريق وليس مساوياً للأمر الأوّل، وهذا إنّما عرض من أمر خارج وهو امتناع توجّه الأمر على غير المكلف، وهو بخلاف القصّة التي في حديث الباب.
والحاصل: أنّ الخطاب إذا توجّه لمكلفٍ أن يأمر مكلفاً آخر بفعل

الصفحة 10