كتاب فتح السلام شرح عمدة الأحكام من فتح الباري (اسم الجزء: 6)

القول الثاني: قال الشّعبيّ والحسن والنّخعيّ وحمّاد بن سلمة: لا تنكح حتّى تطهر.
قال القرطبيّ: وحديث سبيعة حجّةٌ عليهم , ولا حجّة لهم في قوله في بعض طرقه " فلمّا تعلّت من نفاسها " , لأنّ لفظ تعلَّت كما يجوز أن يكون معناه طهرت جاز أن يكون استعلت من أَلَم النّفاس.
وعلى تقدير تسليم الأوّل , فلا حجّة فيه أيضاً , لأنّها حكاية واقعة سبيعة.
والحجّة إنّما هو في قول النّبيّ - صلى الله عليه وسلم -: إنّها حلت حين وضعت. كما في حديث الزّهريّ , وفي رواية معمر عن الزّهريّ " حللتِ حين وضعتِ حملك " وكذا أخرجه أحمد من حديث أبيّ بن كعبٍ , أنّ امرأته أمّ الطّفيل قالت لعمر: قد أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سبيعة أن تنكح إذا وضعت. وهو ظاهر القرآن في قوله تعالى (أن يضعن حملهنّ) فعلَّق الحِلَّ بحين الوضع , وقصره عليه , ولَم يقل إذا طهرت , ولا إذا انقطع دمك. فصحّ ما قال الجمهور
وفي قصّة سبيعة من الفوائد.
أنّ الصّحابة كانوا يفتون في حياة النّبيّ - صلى الله عليه وسلم -.
وأنّ المفتي إذا كان له ميلٌ إلى الشّيء لا ينبغي له أن يفتي فيه , لئلا يحمله الميل إليه على ترجيح ما هو مرجوحٌ كما وقع لأبي السّنابل , حيث أفتى سبيعة أنّها لا تحل بالوضع لكونه كان خطبها فمنعته ورجا أنّها إذا قبلت ذلك منه , وانتظرت مضيّ المدّة حضر أهلها فرغّبوها في

الصفحة 54