كتاب فتح السلام شرح عمدة الأحكام من فتح الباري (اسم الجزء: 6)
ويحتمل: أن يكون قوله " لَم يسنّه " أي: الثّمانين , لقوله في الرّواية الأخرى " وإنّما هو شيء صنعناه " فكأنّه خافَ من الذي صنعوه باجتهادهم أن لا يكون مطابقاً، واختصّ هو بذلك لكونه الذي كان أشار بذلك , واستدل له , ثمّ ظهر له أنّ الوقوف عندما كان الأمر عليه أوّلاً أولى , فرجع إلى ترجيحه , وأخبر بأنّه لو أقام الحدّ ثمانين فمات المضروب وداه للعلة المذكورة.
ويحتمل: أن يكون الضّمير في قوله " لَم يسنّه " لصفة الضّرب وكونها بسوط الجلد. أي: لَم يسنّ الجلد بالسّوط , وإنّما كان يضرب فيه بالنّعال وغيرها ممّا تقدّم ذكره. أشار إلى ذلك البيهقيّ.
وقال ابن حزم أيضاً: لو جاء عن غير عليٍّ من الصّحابة في حكم واحد أنّه مسنونٌ وأنّه غير مسنونٍ , لوجب حمل أحدهما على غير ما حمل عليه الآخر فضلاً عن عليٍّ مع سعة علمه وقوّة فهمه، وإذا تعارض خبر عمير بن سعيد (¬1) وخبر أبي ساسان. فخبر أبي ساسان أولى بالقبول , لأنّه مصرّحٌ فيه برفع الحديث عن عليٍّ , وخبر عمير موقوف على عليّ، وإذا تعارض المرفوع والموقوف قدّم المرفوع.
وأمّا دعوى ضعف سند أبي ساسان فمردودة , والجمع أولى مهما أمكن من توهين الأخبار الصّحيحة.
وعلى تقدير أن تكون إحدى الرّوايتين وهماً , فرواية الإثبات مقدّمةٌ على رواية النّفي، وقد ساعدتها رواية أنس على اختلاف ألفاظ
¬__________
(¬1) انظر التعليق السابق.