كتاب فتح السلام شرح عمدة الأحكام من فتح الباري (اسم الجزء: 6)

المأمور الثّاني فلا، وينبغي أن ينزّل كلام الفريقين على هذا التّفصيل فيرتفع الخلاف.
ومنهم: من فرّق بين الأمرين , فقال: إن كان الأمر الأوّل بحيث يسوغ له الحكم على المأمور الثّاني فهو آمر له. وإلَّا فلا.
وهذا قويّ، وهو مستفاد من الدّليل الذي استدلَّ به ابن الحاجب على النّفي، لأنّه لا يكون متعدّياً إلَّا إذا أمر من لا حكم له عليه , لئلا يصير متصرّفاً في ملك غيره بغير إذنه، والشّارع حاكم على الآمر والمأمور فوجد فيه سلطان التّكليف على الفريقين، ومنه قوله تعالى (وأمر أهلك بالصّلاة) فإنّ كلّ أحد يفهم منه أمر الله لأهل بيته بالصّلاة، ومثله حديث الباب، فإنّ عمر إنّما استفتى النّبيّ - صلى الله عليه وسلم - عن ذلك ليمتثل ما يأمره به ويلزم ابنه به.
فمن مثّل بهذا الحديث لهذه المسألة فهو غالطٌ، فإنّ القرينة واضحة في أنّ عمرَ في هذه الكائنة كان مأموراً بالتّبليغ، ولهذا وقع في رواية أيّوب عن نافع " فأمره أن يراجعها ".
وفي رواية أنس بن سيرين ويونس بن جبير وطاوسٍ عن ابن عمر , وفي رواية الزّهريّ عن سالم " فليراجعها ".
وفي رواية لمسلمٍ " فراجعها عبد الله كما أمره رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " وفي رواية الليث عن نافع عن ابن عمر , فإنّ النّبيّ - صلى الله عليه وسلم - أمرني بهذا.
وقد اقتضى كلام سليمٍ الرّازيّ في " التّقريب " أنّه يجب على الثّاني الفعل جزماً , وإنّما الخلاف في تسميته آمراً فرجع الخلاف عنده لفظيّاً.

الصفحة 9